مرّ أكثر من أسبوع على كتاب مفوض ​الحكومة​ لدى المحكمة العسكرية القاضي ​بيتر جرمانوس​، الى قائد الدرك العميد مروان سليلاتي، والذي كلّفه فيه «إيداعه الأذونات المعطاة بحفر آبار ارتوازية، ومخالفات بناء وغيرها»، من دون أن تردّ المديرية «خبراً»، إلّا ما مفاده «النيابة العامة العسكريّة ليست سلطة وصاية على قوى الامن الداخلي ولا تتمتّع بأي صلاحيّة رقابيّة على أعمالها الادارية».

وكان جرموناس قد حدّد مهلة الاسبوع في كتابة الموجّه الى سليلاتي في 15 الجاري، وطلب فيه إيداعه الأذونات المعطاة في مجال الآبار الارتوازية، البناء، البناء المخالف، البناء على الأملاك العامة و​المشاعات​، وعلى ضفاف الأنهر والشواطئ البحرية والسطوح، الهنغارات، الخيَم، الكسارات، المرامل، المقالع، الزفاتات والمشاكل الصناعية منذ العام 2015، وإيداعه صورة عن المحاضر التي نظّمت بحق الذين لا يملكون الأذونات.

لكنّ اللافت كان قيام جرمانوس، بعد 4 أيام، أي في 18 الجاري بتوجيه الكتاب نفسه الى ​المديرية العامة لقوى الامن الداخلي​، ما اعتبر، وفق مطّلعين، إجراء غير جائز بالشكل حيث يفترض ب​النيابة العامة العسكرية​ مخاطبة وزارة الداخلية تحت عنوان أنّ القضاء العسكري في صدد إجراء تحقيق في هذه الأذونات طالباً من الداخلية تزويده بها، وليس الطلب من المدير العام مباشرة إرسال الأذونات الممنوحة من قبله الى النيابة العامة العسكرية.

لم يكن ردّ «المديرية» في البرقية الصادرة عن المدير العام ​اللواء عماد عثمان​ أقل حدّة من كتابي جرمانوس، واللذين سبقهما تسطير مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية استنابة قضائية إلى كافة ​الاجهزة الامنية​ طلبَ فيها إبلاغه عن أي رشى تقاضاها عسكريون في مواضيع حفر آبار ارتوازية من دون تراخيص، إضافة إلى أعمال بناء ومخالفات بناء وأعمال بناء في الأملاك العمومية، ولاسيما في قضاء المنية.

ورداً على الكتابين، طلب اللواء عثمان في برقية أصدرها قبل يومين من الوحدات الادارية «إيداع القيادة كافة الكُتب والتكاليف الصادرة عن النيابة العامة العسكريّة والمتضمّنة طلبات ضمّ مستندات أو معلومات تتعلّق بأعمال الضابطة الإداريّة الواقعة ضمن صلاحيّات المديريّة العامة ل​قوى الأمن الداخلي​، وذلك للوقوف على ماهيّة هذه الطلبات وعرضها على وزارة الداخليّة في حال اقتضى الأمر، على أن لا تتمّ إجابة هذه الطلبات قبل صدور أمر عن هذه القيادة».

كما طلب عثمان «عدم تزويد أي مرجع ذي صلاحية بأية معلومات أو مستندات أو الرد على طلبات لا تدخل ضمن اختصاصه، على ان يتم الرجوع الى هذه القيادة في كافة الحالات المماثلة».

وكان لافتاً في البرقية التي أصدرها المدير العام، ردّاً على جرمانوس، التذكير بأنّ «النيابة العامة العسكرية هي سلطة قضائية بحتة غير مكلفة بأي مهام في إطار الضابطة الادارية، وليست سلطة وصاية على المديرية العامة لقوى الامن الداخلي، ولا تتمتع بأي صلاحية رقابية على الاعمال الادارية في قوى الامن الداخلي».

مع ذلك، ثمة رأي قانوني يفيد بأنّ المدير العام ليس صاحب صلاحية، قانوناً، بإعطاء هذه الأذونات والتراخيص. وبالتالي، عند مخالفة أي ضابط القانون، فإنّ المرجعية الصالحة لمحاسبته هي القضاء العسكري!

النزاع بين جرمانوس وقوى الامن لم يحضر على طاولة ​المجلس الاعلى للدفاع​ الذي انعقد أخيراً، لكن بالتأكيد لا يزال حاضراً على طاولة المعنيين به، في وقت عجزت فيه الوساطات السياسية حتى الآن عن الحدّ من تفشّي بقعة زيت الخلاف بين الطرفين.

وتحرّك مفوض الحكومة، وفق مطّلعين، لا يمكن فصله عن المواجهة المفتوحة مع «شعبة المعلومات» بعد ادّعائه عليها في 8 نيسان الجاري، خصوصاً أنّ جرمانوس عيّن في موقعه منذ تشرين الاول 2017، ولم يفتح ملف الاذونات إلّا بعد انطلاق حملة ​مكافحة الفساد​ في الجسم القضائي بناء على تحقيقات «الشعبة»، لكن في المقابل يرى فريق قضائي قريب من جرمانوس أنّ «البيان الوزاري يشير بوضوح الى أنّ الأذونات الاستثنائية ممنوعة وهي أصلاً مخالفة للقانون».

ويركن هؤلاء الى الفصل الرابع في البيان الوزاري تحت عنوان «إصلاحات هيكلية» عبر «حصر التراخيص بالوزارات والمجالس والهيئات المعنية بها، وحظرها على أيّ جهة أخرى غير مختصّة تحت أيّ حجّة أو ذريعة».

وهو الأمر الذي دفع ​وزارة الطاقة​ الى توجيه كتاب الى اللواء عثمان بهذا الخصوص لوقف منح هذه التراخيص، والتي يرى جرمانوس اليوم أنها مصدر خطر أساسي على البيئة والمياه الجوفية، فيما يشير الفريق القريب منه الى «ورش» في العديد من المناطق تشكّل مخالفات صريحة للقانون.

وهذا الموضوع تحديداً كان أيضاً محور اجتماع الوزير ​جبران باسيل​ مع اللواء عثمان قبل أسابيع في مركز «التيار الوطني الحر» في ميرنا شالوحي.

وجهة النظر هذه تقابلها أخرى تصوّب «على استفاقة جرمانوس المفاجئة على البيئة و«لا قانونية» منح هذه التراخيص التي بدأ العمل بها منذ تعيين اللواء ابراهيم بصبوص مديراً عاماً عام 2013، واليوم لا تكتسب الحملة في هذا الاتجاه سوى المنحى الانتقامي والكيدي».

ويشير هذا الفريق الى «تواطؤ من قبل كافة القوى السياسية في تغطية هذا الإجراء على مدى سنوات، كون الجميع كان مستفيداً من دون استثناء من هذه التراخيص، وأوّلهم فريق «التيار الوطني الحر» ثم «حزب الله» و«حركة أمل» و«تيار المستقبل» وباقي الاحزاب السياسية، وذلك استناداً الى عدد الرخص الممنوحة مثلاً في مجال رخص الآبار، خصوصاً في المرحلة الممتدة من 2015 حتى استلام اللواء عثمان مهامه على رأس المديرية».