يبدو السباق قائماً بين القوى السياسيّة بشأن ملفّ ​التعيينات​، وتبرز فيه رئاسة مجلس "شورى الدولة" بعد شغور الموقع، فتترقّب إتّفاقاً في ​مجلس الوزراء​ لتعيين إسم قاضٍ قد يكون من جسم "الشورى" نفسه، حيث يجري الحديث عن إسمين مطروحين لإختيار أحدهما، أو من ​القضاء​ ​العدل​ي الذي يضمّ كفاءات بارزة. وإذا كان الإسم الذي يحضّره وزير العدل ​ألبرت سرحان​ لطرح تعيينه في مجلس الوزراء بقي طيّ الكتمان حتى الساعة، إلاّ انّ الأروقة السياسيّة والقضائيّة تضجّ بإسم القاضي لدى مجلس "شورى الدولة" يوسف نصر بإعتباره "يحظى بدعم نافذين في ​الحكومة​" لتعيينه رئيساً ل​مجلس الشورى​، فور طرح سلّة التعيينات التي سيجري الإتّفاق عليها بين القوى السياسيّة، دفعة واحدة أو بالمفرّق.

وحصلت "​النشرة​" من مصادر خاصة على طعنٍ أعدّه قضاة، بشأن تعيين القاضي نصر في مجلس "شورى الدولة"، يقوم على أساس إعتبار مرسوم تعيينه في 31121986 "باطل قانوناً وبحكم الساقط وعديم الجدوى، وعرضة للطعن والإبطال في كل وقت". ومن المتوقّع أن يحصلَ نقاش سياسي وقانوني حول الطعن، ويفتح الباب أمام الجدل والأخذ والرد، بحجم أهميّة موقع رئاسة مجلس "شورى الدولة"، في ظل سباق سياسيّ على الحصص في التعيينات المرتقبة. لذلك تنشر "النشرة" مشروع الطعن الذي أعّده قضاة كما هو، من دون أي إختزال أو تلخيص:

I. في الوقائع:

بتاريخ 31/12/1986 صدر المرسوم رقم 3629 المتضمن تعيين كلٍ من الآنسة نجلا كنعان والدكتور يوسف نصر مستشاراً معاوناً من المرتبة الثانية في ملاك ​مجلس شورى الدولة​، وذلك من دون إجراء مباراة.

ويُمكن، إستناداً الى المادة 9 من نظام مجلس شورى الدولة تعيين قضاة في ملاك مجلس الشورى، من دون مباراة، إذا كان المرشح يحمل شهادة دكتورة دولة في القانون، على شرط أن يتم التعيين "بناءً على إقتراح مكتب مجلس شورى الدولة" المؤلف من رئيس المجلس، ومفوض الحكومة لدى المجلس، ورئيس ​هيئة التفتيش القضائي​ ورؤساء الغرف لدى مجلس شورى الدولة.

وقد وُضع شرط إقتراح مكتب مجلس شورى الدولة، من أجل ضمان إستقلال السلطة القضائية وكذلك من أجل البحث عن ذوي الإختصاص، لأن مكتب مجلس الشورى المؤلف من 7 قضاة يعرف أكثر من غيره، إحتياجات القضاء الإداري، وله الكلمة الفصل في مدى توافر عنصر الإختصاص في الشخص المرشح، وليس للسلطات السياسية أي دور في هذا المجال، ويمارس مكتب المجلس، في عملية التعيين دون مباراة، دور لجنة المباراة غير الموجودة بحكم القانون حيث يقترع لمصلحة من يراه كفوءاً ليكون قاضياً.

وبعد الإطلاع على المرسوم 3629/1986 المذكور، يتبيّن أنه صدر بصورة مخالفة للقانون إذ لم يُبنَ على إقتراح مكتب المجلس، وقد أشار رئيس مجلس شورى الدولة فيه الى تعذر إنعقاد مكتب مجلس الشورى في كتاب يحمل الرقم 446 تاريخ 2/10/1986 حيث برّر في الكتاب المذكور تخَطي إقتراح مكتب المجلس، بما يسمى الصيغة المستحيلة Formalité impossible التي تسمح بصدور مرسوم التعيين خالياً من عبارة "بناءً على إقتراح مكتب مجلس شورى الدولة"، وتخطي موافقة مكتب المجلس على مشروع مرسوم التعيين.

بتاريخ 18/2/1987 تقدم الدكتور مطانيوس خليل الحلبي من مجلس شورى الدولة بمراجعة سجلت تحت رقم 469، يطلب فيها وقف تنفيذ وإبطال المرسوم 3629/1986 لأسباب قانونية ذكرها في مراجعته.

وبعد تبادل اللوائح، تقدم المستدعي بتاريخ 2/4/1997 بطلب تدوين رجوعه عن المراجعة، وذلك بطلب شخصي من رئيس مجلس الشورى حينها الدكتور جوزف شاوول، فصدر في 11/12/1997 القرار رقم 159 قضى بتدوين رجوع المستدعي عن المراجعة وعن الحق.

II. في القانون:

يُعتبر المرسوم رقم 3629/1986 باطلاً للأسباب التالية:

أ‌- فرضت المادة التاسعة من نظام مجلس شورى الدولة، في حالة التعيين من دون مباراة، وجوب بناء مشروع مرسوم التعيين على إقتراح صادر عن مكتب مجلس شورى الدولة، حيث نصت "يمكن أن يُعين بدون مباراة... وذلك بناءً على إقتراح مكتب المجلس"، وذلك تحت طائلة إعتبار القرار الصادر خلافاً للمادة 9 المذكورة مشوباً بعيب عدم الصلاحية المطلقة Incompétence absolue، لأن المرجع الوحيد مُصدر إقتراح وقرار التعيين هو مكتب مجلس الشورى بالإجماع أو بالأكثرية، وليس أي مرجع آخر، وعليه لا يحق لرئيس مجلس الشورى تبرير تخطي موافقة مكتب المجلس بالإستناد الى نظرية الصيغة المستحيلة، أي تعذر إنعقاد المجلس، لأن هذه النظرية تُطبق حصراً بالنسبة للقرارات الصادرة عن سلطات إدارية وليس قضائية، وفقط في ما يتعلق بأخذ إستشارة لجان إستشارية تمتنع عن الإجتماع لإعطاء رأيها في القرار المطلوب إصداره عن السلطات الإدارية المختصة:

- R. Odent–contentieux administratif 1976 p 1903: “ainsi, une autorité administrative peut se passer de l’avis d’un organisme dont les membres ou certaines d’entre eux font obstacle à ce que cet organisme remplisse sa mission ».

أما إغفال إستشارة مجلس الشورى، أيّ قضاته سواء إنتظموا في الغرفة الإداريّة أو في مكتب المجلس، فيصبح لها أهمية خاصة تُفضي الى عيب عدم الصلاحية المطلقة، وليس مجرد مخالفة بسيطة بعدم إستشارة لجنة إدارية أو جهاز إداري.

- C.E.F 12/Oct/1956 Baillet p. 365 conclusion Lasry: «le défaut de consultation préalable du conseil d’Etat n’est pas une banale irrégularité de procédure, comme le serait le défaut de consultation d’une commission ou d’un organisme administratif quelconque en effet, l’avis du Conseil d’Etat, selon qu’il a été pris ou non, modifie la place de l’acte incriminé dans la Hierarchie des textes et par suite, le défaut de consultation du conseil d’Etat est assimilable à un vice d’incompétence. »

- Delvolvé. C.E.F sanglier 1973 :

«La décision finale est illégale si elle n’est pas procédée d’une proposition ».

Sirey–1983 p 156.

ومن هنا، يقوم مكتب مجلس الشورى، مقام لجنة المباراة ويقترع لمصلحة من يراه كفوءاً ليكون قاضياً وله سلطة إستنسابية في ذلك، وإتخاذ قرار التعيين يجب أن يتم على ضوء موقف مكتب المجلس كما يمكن إعتبار سكوت أو تغييب قرار مكتب المجلس بمثابة قرار رفض C.E.F Ass. 9/5/1958 Fan. p.268

وعليه يكون المرسوم 3629/1986 مشوباً بعيب عدم الصلاحية المطلقة.

ب‌- لا يحق لرئيس مجلس الشورى تبرير تخطّي موافقة مكتب مجلس شورى الدولة على المشروع مرسوم تعيين السيد يوسف نصر، بإستعمال عبارة "تعذر إنعقاد مكتب مجلس الشورى، واللجوء الى نظرية الصيغة المستحيلة Formalité Impossible، لأن هذه النظرية تطبق حصراً على السلطات الإدارية وليس القضائية، وفي ما خص لجان إستشارية تابعة لهذه السلطات الإدارية، ولا يشمل تطبيقها سلطات قضائية وجهاز قضائي، كما رأينا أعلاه، فضلاً عن أن تعذر إنعقاد مكتب المجلس يجب أن يٌعزى الى عوامل خارجية وليس داخلية، كما هو عليه الحال، حيث كان وقتها رؤساء الغرف يقاطعون رئيس المجلس، وهذا ما تناولته وسائل الإعلام حينذاك مثل مجلة الأفكار تاريخ 22/12/1986 وجريدة L'orient le jour تاريخ 22/1/1987 بسبب خلافات داخليّة، في ظل تقاعس الحكومة عن معالجة هذا الأمر، وبالتالي لا استحالة في الصيغة إلا تلك الناتجة عن عوامل خارجية مثل إستشارة جهاز زال أو لم ينشأ بعد. P.Delvolvé p. 177

هذا بالإضافة الى أنّ إعفاء الإدارة من إحترام الإجراءات الشكليّة بسبب إستحالتها، يستوجب أن يكون للقرار الإداري المتخذ أهمية خاصة في تأمين إستمرارية العمل في المرفق العام، وله طابع العجلة، الأمر غير المتوفر على الإطلاق في حالة السيد يوسف نصر.

كما أن مجلس الشورى يتشدد في الأخذ بمبدأ الإجراءات المستحيلة.

C.E.F 19/juin/1966 Mallol conclusion Hastiou: «ce mode de couverture (formalité impossible) doit toujours être interprété strictement et le conseil d’Etat ne paraît l’admettre qu’avec d’extrême réticences ».

وفي كل الأحوال، إن إقتراح مجلس الشورى في عملية تعيين المستشارين المعاونين من دون مباراة ليس مجرد صيغة جوهرية، بل عنصر من عناصر إختصاص وصلاحية مجلس الشورى، ومكتب المجلس يشترك مع الدولة في إتخاذ قرار التعيين وليس مجرد هيئة إستشارية، ويُعد بالتالي إغفال الإقتراح عيباً في الصلاحية المطلقة، بحيث لا يبقى من مجال للبحث في ما إذا كان تعذر إنعقاد مكتب مجلس الشورى يحوّل إقتراح هذا المكتب الى صيغة مستحيلة أم لا.

- Vedel, Droit administrative p 591 incompétence pour défaut de consultation du Conseil d’Etat dans des Hypothèses où cette consultation est imposée par des textes".

ج- لأن مراجعة المستدعي مطانيوس الحلبي لإبطال مرسوم تعيين السيد يوسف نصر رقم 3629/1986 لم تقترن بصدور أي قرار نهائي بتثبيت قانونية أو عدم قانونية المرسوم المذكور، كونه تم الرجوع عن المراجعة وصدر قرار تدوين الرجوع، ما يفسح المجال مجدداً للطعن بالمرسوم المذكور.

ولأن إن المرسوم رقم 3629/1986 هو قرار إداري عديم الوجودacte administratif inexistant ، كونه غير مشوب بمخالفة عادية، بل بعدم إختصاص مطلق لأنه صادر بناءً على إقتراح مرجع غير مختص على الإطلاق وهو رئيس مجلس شورى الدولة الذي إغتصب سلطةً ليست له منفرداً، وليس له أن يقرر منفرداً في هذا المجال، ويتخطى مكتب مجلس الشورى صاحب العلاقة الوحيد والأساسي في تعيين مستشارين معاونين دون مباراة.

ولأن إجتهاد مجلس الشورى مستقر على إعتبار أن الطعن بالقرارات الإدارية عديمة الوجود لا يخضع لأية مهلة.

- Chapus D.A.G Tome I 9ème édition p 891:

«Le fait qu’un acte administratif soit juridiquement inexistant, il peut être déféré ou juge administratif sans condition de délai ».

- Sont juridiquement inexistantes: les décisions dont l’auteur est dépourvu de Tout pouvoir de décision, celles qui réalisent un empiètement de l’Administration sur les attributions d’une juridiction.

- C.E 9/Mai/1990 Comm. de Lavour: «La délibération du conseil municipal alléguée n’avait jamais été prisé"

لذلك، يحق لأي قاضٍ، الطعن، وفي أي وقت بمرسوم تعيين السيد يوسف نصر للأسباب القانونية المذكورة أعلاه، سيما وأن الشروط المفروضة بموجب القانون للتعيين في أي وظيفة، يتوجب إستمرار توفرها ليس فقط عند التعيين، بل طيلة حياة الشخص المعني الوظيفية.

كما وأن إمكانية إبطال مرسوم تعيين السيد يوسف نصر هي إمكانية كبيرة جداً لعلة عدم الإختصاص المطلق والتعيين خلافاً لأحكام القانون، وعدم توفر شروط نظرية الصيغة المستحيلة المتذرع بها، ولهذا السبب طُلب من الدكتور مطانيوس الحلبي تقديم طلب رجوعه عن مراجعته، وهذا الوضع مشابه تماماً للقرارات الصادرة عن مجلس الوزراء حيث لا يحق لرئيس الحكومة التذرع بتعذر إنعقاد مجلس الوزراء لإصدار قرارات تعود صلاحية إصدارها للمجلس مجتمعاً وليس له فردياً.

لكل هذه الأسباب، يُعتبر تعيين السيد يوسف نصر مخالفاً للقانون، وكان يمارس وظيفته القضائية إستناداً الى مرسوم باطل وساقط وعديم الوجود وكأنه لم يكن.

لذا، وبمعزل عن أي طعن، يتوجب على الدولة إسترداد مرسومه كونه مشوب بعيب عدم الصلاحية المطلقة.