على الرغم من النفي المتكرر لفرضيات إندلاع حرب ​إسرائيل​ية-​لبنان​ية، في الصيف المقبل، لا تزال لدى البعض الكثير من المخاوف من هذا الإحتمال، خصوصاً في ظل العقوبات ​الإقتصاد​ية الأميركيّة التي تشمل كل الدول التي تصنفها في خانة المعادية لها.

على هذا الصعيد، لا يمكن إنكار طبيعة الدولة الإسرائيليّة المعادية للبنان، وبالتالي إحتمال الحرب يبقى قائماً، إلا أنّ قراءة واقعيّة لبعض المعطيات الحاليّة تؤكّد أنّ هذا الإحتمال مستبعد جدًّا في المرحلة الراهنة، وهو ما أكّد عليه أمين عام "​حزب الله​" ​السيد حسن نصرالله​، في خطابه الأخير، عندما أشار إلى أنه يميل إلى إستبعاد خيار الحرب.

في هذا السياق، يتولّى الرئيس الأميركي ​دونالد ترامب​ خوض المواجهة عن ​تل أبيب​ على أكثر من جبهة، بالتعاون مع بعض الدول العربيّة التي تقترب من التحالف مع إسرائيل على حساب العداء مع ​إيران​، وهو ما يترجم عملياً عبر تشديد الولايات المتّحدة العقوبات الإقتصاديّة على كل من إيران و​سوريا​ و"حزب الله".

بالتزامن، على المستوى السياسي يتحضّر ترامب أيضاً إلى الإعلان عن خطته للسلام في منطقة ​الشرق الأوسط​، أو ما بات يعرف في الأوساط الإعلاميّة بـ"صفقة القرن"، ونجاح هذه الخطّة، التي يتمّ تنسيقها مع العديد من الجهات الإقليميّة، لا يمكن أن تتمّ على وقع قرع طبول الحرب، بل على العكس من ذلك، في حين أنّ الخطوات الأخرى التي يقوم بها تستهدف القوى التي من المحتمل أن تعترض عليها.

بالإضافة إلى ذلك، ليس هناك ما يدفع تلّ أبيب إلى إحتمال خوض أيّ مواجهة على مستوى المنطقة، سواء في لبنان أو سوريا أو ​قطاع غزة​، خصوصاً أنّها ترى أن ما تريده يتحقق من دون أن تتدخل بشكل مباشر، مع العلم أنّ الجبهة مع ​جنوب لبنان​ هادئة منذ العام 2006، وبالتالي الإحتمال الأفضل بالنسبة إليها هو إستمرار الواقع على ما هو عليه، على أن تتولّى الرد في حال فُتحت أيّ جبهة من الأفرقاء الآخرين.

الأهمّ من كل ما تقدّم يتعلق بالإقتصاد الإسرائيلي، الذي شهد في الأشهر الأخيرة موجة كبيرة من الإستثمارات، من المفترض أن تتأثّر في حال إندلاع أيّ مواجهة عسكريّة، الأمر الذي يدفع إلى السؤال عمّا إذا كانت تل أبيب مستعدة للتضحية بها؟!.

في الفترة السابقة، كان وزير الماليّة الإسرائيلي موشيه كحلون أعلن أن شركة التكنولوجيا العالميّة "إنتل"، قرّرت استثمار نحو 11 مليار ​دولار​ لتوسيع عمليّاتها في إسرائيل. وفي الربع الأول من العام الحالي، حسب شركة "IVC" للأبحاث، شركات التكنولوجيا المتطورة حققت أرباحاً قيمتها 1.55 مليار دولار من خلال 128 عقد عمل، ما يمثل زيادة بنحو 15% عن العام الماضي. كما بلغت قيمة الإستثمارات، في العام 2017، من قبل المقيمين والشركات الأجنبيّة في مشاريع إسرائيليّة 129.1 مليار دولار، وهو ارتفع نحو 20% عن العام 2016 و30% عن العام 2015.

بالإضافة إلى ذلك، يبلغ عدد الشركات المتعدّدة الجنسيّات في إسرائيل نحو 368 شركة، أغلبها يعمل في مجال البرمجة (132)، الإتصالات (64)، علوم ​الحياة​ (47)، في حين وصل حجم الاستثمارات الأجنبيّة في إسرائيل، مطلع العام الحالي، إلى أكثر من 20 مليار دولار، بينما وصلت استثمارات الإسرائيليين في الخارج إلى أكثر من 19.5 مليار دولار.

في المحصّلة، ما تقدّم يقود إلى معادلة واضحة، ان تل أبيب في حال قرّرت الدخول في أيّ مواجهة عسكريّة فهي تغامر بما حقّقته في السنوات الماضية على المستوى الإقتصادي، في حين أن الشركات العالمية التي لا تُقدم عادة على أيّ استثمار خاسر قبل أن تكون قد درست كل ​تفاصيل​ البلد التي تنوي الإستثمار فيه (سياسياً، أمنياً، إقتصادياً...)، وبالتالي لن تجرؤ لتدخل السوق الإسرائيلي لو لم تكن متأكّدة من أنّ الأوضاع ستبقى مستقرّة.