حرصت مصادر كل من حزبيّ "الكتائب ال​لبنان​يّة" و"تيّار ​المردة​" على نفي أن يكون اللقاء الرفيع الذي عُقد بين الطرفين في ​الصيفي​ أخيرًا مُوجّهًا ضُدّ أيّ من القوى السياسيّة، أو أن يكون مُرتبطًا بالإنتخابات الرئاسيّة المُقبلة. لكن وبعيدًا عن التصاريح الإعلاميّة الدبلوماسيّة، من هي القُوى المُستهدفة-ولوّ بشكل غير مُباشر بهذا اللقاء، وما هي خلفيّاته؟.

بالنسبة إلى حزب "الكتائب" فهو يُعاني من عزلة سياسيّة كبيرة منذ ما قبل مرحلة الإنتخابات النيابيّة الأخيرة، وتحديدًا منذ دُخول كل من حزب "​القوات​ اللبنانيّة" و"تيّار المُستقبل" في ما عُرف بإسم "التسوية الرئاسيّة" التي أوصلت العماد ​ميشال عون​ إلى منصب رئاسة الجُمهوريّة، حيث تحوّل "الكتائب" إلى خيار المُعارضة الكاملة للسُلطة السياسيّة بدون إعطاء إستثناءات لأيّ طرف. وبالتالي، وإضافة إلى خُصومة "الكتائب" التقليديّة مع قوى "8 آذار"، تدهورت علاقات الحزب المسيحي العريق مع "القوات" و"المُستقبل"، وصار الإنتقاد الإعلامي أمرًا قائمًا في ما بين هذه الجهات التي شكّلت في العقد الماضي العمود الفقري لقوى "​14 آذار​" بالإضافة إلى "الحزب التقدّمي الإشتراكي". وبحسب المعلومات المُتوفّرة، إنّ حزب "الكتائب" المُصمّم على المُضيّ قُدمًا بخيار المُعارضة، يعمل حاليًا على خطّين مُتوازين:

- الأوّل مُحاولة تصدّر القوى والشخصيّات التي لا تزال تؤمّن بأنّ لا مُساومة مع سلاح "​حزب الله​" ولا مُهادنة مع دُوَيلة "الحزب" داخل الدولة اللبنانيّة، والعمل على جذب الرأي العام المُؤيّد لإبقاء ​السياسة​ الهُجوميّة ضُدّ "حزب الله".

- الثاني مُحاولة زيادة عدد النوّاب والقوى السياسيّة والشخصيّات التي تُعارض السياسات الإقتصاديّة والماليّة للسُلطة الحاكمة، باعتبار أنّ نوّاب "الكتائب" الثلاثة إضافة إلى النائبة ​بولا يعقوبيان​، لا يُمكن أن يُشكّلوا وحدهم مُعارضة فعّالة للسُلطة التنفيذيّة، نظرًا إلى قلّة عددهم في ​المجلس النيابي​ الذي يضمّ 128 نائبًا.

وبالتالي، لقاء "الكتائب–المردة" في الصيفي أخيرًا، والذي يأتي إستكمالاً للقاءات سابقة عدّة، يندرج في سعي "الكتائب" لرفع عدد المُعارضين للسُلطة، حيث يلعب "الحزب" على وتر الخلاف المُستمرّ بين "المردة" و"التيّار الوطني الحُرّ"، لمحاولة جرّ الأوّل إلى هذا الموقع، بشكل مُنفصل عن التباعد السياسي الإستراتيجي بين "الكتائب" و"المردة". ويُمكن القولّ، إنّه من الموقع الكتائبي، إنّ كل القوى المُشاركة في السُلطة التنفيذيّة مُستهدفة بسياسته المُعارضة حاليًا، وبخاصة حزب "القوّات" وتيّار "المُستقبل" اللذين يستهدفهما بالشقّ المعيشي والإجتماعي كونهما يُشكلان جزءًا من السُلطة، ويستهدفهما سياسيًا أيضًا كونهما جعلا "التسوية الرئاسيّة" حقيقة قائمة بعد أن كانت مُستحيلة من دون مُوافقتهما.

بالإنتقال إلى "تيّار المردة"، وعلى الرغم من نفيه المُتكرّر أيّ علاقة لإنفتاحه على "القوات" و"الكتائب" بمسألة الإنتخابات الرئاسيّة المُقبلة، فإنّه لا يُمكن إغفال هذه الخلفيّة من بين الأهداف الرئيسة للتيّار الشماليّ. وفي هذا السيّاق، صحيح أنّ الإنتخابات الرئاسيّة لا تزال بعيدة، وأنّ موضوع ترشّح النائب السابق سليمان فرنجيّة سابق لأوانه، وهو سيرتبط حُكمًا بالظروف وبالتوازنات التي ستكون قائمة عشيّة الإنتخابات، لكنّ الأصحّ أنّ "تيّار المردة" يسعى من اليوم إلى فتح صفحات جديدة مع مُختلف القوى السياسيّة في البلاد، وبالتحديد مع القوى التي تقف في الصفّ المُقابل له، من الناحية السياسيّة الإستراتيجيّة مثل "الكتائب" و"القوات". وليس بسرّ أنّ "تيّار المردة" يتمتّع بعلاقات مُمتازة مع الجهات السياسيّة الأساسيّة في قوى "8 آذار"، وفي طليعتها "حزب الله" و"​حركة أمل​" و"​الحزب القومي​ السوري الإجتماعي"، إلخ. كما أنّ "المردة" على علاقة جيّدة مع "​الحزب التقدمي الإشتراكي​"، وهو كان نجح عشيّة الإنتخابات الماضية في نسج تفاهم رئاسي مع "تيّار المُستقبل"، قبل أن تنقلب الصُورة في اللحظة الأخيرة، وتفلت فرصة الوُصول إلى ​قصر بعبدا​ من يدي الوزير السابق سليمان فرنجيّة لصالح العماد ميشال عون. وبالتالي، يعمل "تيّار المردة" حاليًا على طمأنة القوى المسيحيّة التي لا يتوافق سياسيًا معها-وفي طليعتها "القوّات" و"الكتائب"، على أنّه ليس بخصم لدود لها، وأنّه قادر على نسج تفاهمات جيّدة معها في المُستقبل، الأمر الذي يُشكّل تحضيرًا غير مُباشر لمعركته الرئاسيّة المُقبلة التي يُمثّل طموح رئيس "التيّار الوطني الحُرّ" وزير الخارجيّة ​جبران باسيل​ الرئاسي، العقبة الأبرز أمام "المردة" فيها.

في الخُلاصة، لا شكّ أنّ مُطلق أيّ إنفتاح مُتبادل بين جهتين سياسيّتين يصبّ في نهاية المطاف في خانة تعزيز الإستقرار الداخلي، ويجب أن يكون محطّ ترحيب واسع. والأكيد أنّه من حقّ كل القوى السياسيّة في لبنان نسج التفاهمات التي تجدها مناسبة، ومن حقّ كل من "الكتائب" و"المردة" بطبيعة الحال، إختيار التموضعات والتفاهمات وحتى التحالفات التي يعتبرونها مُلائمة، في إطار العمل السياسي الحُرّ والديمقراطي، بغضّ النظر عن الخلفيّات الحقيقيّة لأيّ تواصل ثُنائي وعن الجهات المُستهدفة فعليًا به.