أكثر المصطلحات التي يتم استخدامها في ​الموازنة​ وفي معرض الحديث عن الموازنة هي مصطلحات لا تعكس الارتياح بل الشكوك والريبة، ومن هذه المصطلحات: "الفذلكة، التهرب الضريبي، الالتفاف..." وغيرها وغيرها من المصطلحات التي إنْ دلت على شيء فعلى أن "ثقافة الموازنة" لم تدخل في ثقافة بناء الدولة والحفاظ على الإستقرار والإنتظام بل هي تُفرض فرضًا. فهل هذا ما يحدث؟

***

عشية بدء جلسات ​مجلس الوزراء​، غدًا الثلاثاء، لا بد من التوقف مليًا أمام الأرقام ليفهم ​اللبنانيون​ حقيقة من يُقرر باسمهم:

أرقام النفقات في الموازنة هي 24 ألف مليار ليرة

أرقام الإيرادات في الموازنة هي 18 ألف مليار ليرة

العجز الذي هو الفارق بين النفقات والإيرادات، ستة آلاف مليار. أي اربعة مليارات ​دولار​.

لكن الأرقام لم تنتهِ عند هذا الحد لأنها ناقصة، فنفقات ​الكهرباء​ للعام 2019 هي في حدود الـ 1700 مليار، أي ما يوازي المليار دولار، ما يعني ان العجز في الموازنة هو خمسة مليارات دولار وليس أربعة مليارات.

نعم الناس ليسوا أغبياء.

***

السؤال هنا: لماذا التذاكي؟ وعلى مَن تتذاكون؟

هل على الناس، وهُم باتوا يعرفون تصرفاتكم وفذلكاتكم ومكائدكم؟

هل على دول "سيدر" وهي التي تراقب كل خطوة تقومون بها؟

هل على ​البنك الدولي​ و​صندوق النقد الدولي​؟

ربما على أنفسكم، إن المنطق يقول ان الموازنة العامة يجب ان تتضمن:

كل النفقات من دون استثناء.

كل الإيرادات من دون استثناء.

كل العجز المقدَّر من دون استثناء.

فهل هذا هو الذي يجري؟

***

المفارقة ان النفقات قد تزيد

والإيرادات قد تنقص

والعجز قد يرتفع.

كيف؟

ليس بالضرورة ان أرقام النفقات ستبقى على ما هي عليه، ففي الموازنات السابقة، وحتى في الصرف على ​القاعدة​ الاثنتي عشرية فإن النفقات غالبا ما كانت ترتفع، وكم من مرة قرأنا "على سبيل التسوية" حيث كانت التسويات تتم بعد النفقات وليس قبلها، تمامًا كما حصل في الجلسة الاخيرة لمجلس الوزراء حين تمت تسوية

حسم 50% من مخصصات الرؤساء والوزراء والنواب.

***

وليس بالضرورة ان تكون الأرقام المقدَّرة للإيرادات ستُجبى كلها، فالوضع الإقتصادي العام لمعظم اللبنانيين في حال يرثى لها، ومن غير المؤكد ان تتمكن الدولة من استيفاء ما لها. اليس هذا ما حصل حين وُضعت التقديرات عن المداخيل لتغطية ​سلسلة الرتب والرواتب​؟ فلم يتحقق من الايرادات الا النزر اليسير.

***

هناك بعض الإجراءات التي ستتخذها ​الحكومة​ في الموازنة، ومنها:

عدم الجمع بين المعاش التقاعدي وأي راتب أو أجر أو مخصصات أو بدل أتعاب أو أي دخل أو مبلغ شهري أو يومي مدفوع من المال العام (باستثناء أسر ​شهداء الجيش​ و​القوى الأمنية​).

ونردد بكل جرأة وصراحة أياكم والمسّ بجندي واحد ب​الجيش اللبناني​، بل بالمقابل أعيدوا المال المهدور من واحد فقط من "المتعهدين المحظيين" فهو يكفي بالا نمسّ بافراد الجيش الذي بكل قطاعاته من أشرف الشرفاء وأنبل النبلاء.

وقف العمل بالرواتب التي تزيد على 12 شهراً في ​السنة​ وإلغاء منح الإنتاج وحصص الأرباح وتوزيع أنصبة الأرباح (باستثناء راتب الشهر 13 في المؤسسات العامة الاستثمارية).

منع التوظيف والتعاقد بما في ذلك القطاع التعليمي والعسكري، وتجميد التطويع بدل المحالين الى التقاعد، لمدة 3 سنوات، على أن تتاح الإمكانية للتوظيف بعد ذلك بمعدل نصف عدد المتقاعدين كحد أقصى.

رفع الضريبة على ربح الفوائد من 7% إلى 10%، وهنا نهنئكم ونهنئ انفسنا بكم.

***

هذا غيض من فيض.

وإن غدًا لناظره قريب، فهل ستأتي الموازنة على قدر الطموحات؟

ما علينا سوى الانتظار وما يحمله من مفاجآت.