لا شك ان رئيس الجمهورية العماد ميشال عون وضع نصب عينيه منذ وصوله الى سدّة الرئاسة، تحقيق انجازات كثيرة، من شأنها اذا ما تحقّقت بالفعل، ان تترك بصمتها على تاريخ لبنان المعاصر. مواضيع عديدة طرق عون بابها، وهو لا يزال يأمل في ان يزيل العقبات التي تمنعه من الوصول الى نهايات سعيدة في شأنها، ومنها على سبيل المثال لا الحصر: محاربة الفساد وتفعيل الاقتصاد...

وفيما يشتكي عون -وهو محق- من انّ ما يرغب به يحتاج الى وقت، لانّ مشاكله "موروثة" من عقود من الزمن، تتّجه الانظار الى قطاع جديد كلياً لم تصله بعد ايادي الفساد والتلوث والهدر، وعليه تقع مسؤولية المساهمة الفعليّة في انقاذ لبنان من ركوده وسباته العميق لناحية العجز، ويعتبره الكثيرون انه "نقطة انطلاق" لكل المشاريع والاحداث الايجابيّة التي يعوّل عليها هذا البلد في مرحلة المستقبل، هذا القطاع هو قطاع ​النفط​ والغاز.

بدأت عمليّة استكشاف الغاز والنفط في لبنان منذ سنوات، ولكنّها لم تأخذ شكلها الرسمي الا بعد وصول عون الى الرئاسة (علماً ان هيئة ادارة ​قطاع البترول​ تأسست في العام 2012)، والبدء الجدي بالحديث عن عمليات التنقيب ووضع دفاتر شروط واستقدام عروض من شركات وتلزيمها من اجل هذه الغاية. الاهميّة في الامر تكمن في مدى القدرة على البدء بهذا المشروع عملياً بطريقة خالية من ايّ فساد او نقاط سوداء، وان يستمر هذا التوجه حتى بعد بدء استخراج النفط والحصول على العائدات. هذا الامر يعتبره مؤيدو العهد كما معارضوه، المحكّ الرئيسي لمعرفة قدرة عون على تحويل الكلام الى افعال، والحلم الى حقيقة. فليس من الافادة بشيء من السرور ببدء اعمال النفط في مرحلة اولى والتمتع بتوقعاتها مع بدء الشركات الاجنبية عملية التنقيب واستخراج ​النفط والغاز​، اذا كان الامر سيتحول في مرحلة لاحقة الى "لعنة" او سبب جديد من اسباب الهدر والفساد، فتتحول المسألة من خشبة خلاص الى مزراب اضافي من مزاريب الهدر الذي من شأنه الامعان في اغراق ​سفينة​ لبنان في بحر المشاكل والتعقيدات المالية والاقتصادية.

لا مفرّ من اعتماد ​سياسة​ واضحة واساسيّة في مقاربة الملفّ النفطي، واذا ما اراد عون حقيقة ان يترك بصمته في هذا القطاع، فعليه التدخّل شخصياً وان يلقي بثقله لوضع الامور في نصابها الصحيح، وارساء سياسة نفطيّة خالية من ايّ ثغرات يمكن للفساد ان ينخر فيها، لانّ اشتعال النفط سيحرق كل امل في انقاذ لبنان. ومقوّمات النجاح في هذا المجال متوافرة، لانّ الركائز الموضوعة ستكون جديدة ولن تكون "موروثة" عن احد، فالنجاح سيكون للعهد و​الحكومة​، والفشل سيلاحقهما لسنوات طويلة ومديدة. انها فرصة لا يمكن التغاضي عنها، وقد لا تتكرر في ايّ مجال آخر، لذلك يستحسن الاستفادة منها. واذا ما عُرف ​بشارة الخوري​ بكونه اول "استقلالي" للبنان، و​فؤاد شهاب​ بأنه اول "دستوري" ألزم الرئاسة باتّباع ما جاء في نصوص ​الدستور​، فيمكن لعون ان يصبح اول "انقاذي" للبنان من مرحلة الركود الى مرحلة النهضة بفعل سياسة النفط والغاز التي يجب عليه ارساءها. ذهب لبنان الاسود بانتظار من يستخرجه ويفيد البلد منه، لان ​الذهب​ المعدني المعروف "محبوس" في خزنات ​مصرف لبنان​ ويعمل كضمانة احتياطيّة للبلد، والذهب الابيض (ايّ الماء) مفقود بين عدم الاستفادة منه بفعل السيّاسات الخاطئة من جهة، واطماع اسرائيل من جهة ثانية، فلعلّ الذهب الاسود كفيل باعطاء لبنان بصيص نور ينقل حالته من الاسود الى الابيض، ويكون مثالاً يحتذى لبقية القطاعات، فتتوقف عدوى الفساد وتبدأ مرحلة عدوى النجاح والشفافية.