ليس أخطر من الانقسام الداخلي عند مواجهة خطر خارجي. هذه ليست بـ"فلسفة" وعمليّة "تنظير"، ولكنها واقع يعترف به ويعرفه الجميع، من سياسيين وعسكريين وحتى مدنيين، وفق تجارب حياتيّة عديدة. السبب الاساسي للتطرق الى هذه المعادلة، هو عودة الحديث عن ​مزارع شبعا​ وعن التشكيك بهويتها وما اذا كانت ​لبنان​يّة ام سوريّة. في مطلق الاحوال، ليس من أي حسّ سليم في فتح مثل هذا النقاش في هذه المرحلة، بغض النظر عن اهميّته وصوابيّة المقاربة التي يجب ان تحصل، لانّ الشغل الشاغل حالياً هو للموازنة التي ينتظرها الجميع (في الخارج قبل الداخل)، لانّ الكثير من الامور والمواضيع وحتى المشاكل ترتبط بها بشكل مباشر، كما ان المهل الموضوعة لاقرارها ليسن بعيدة بل باتت تتمثل بأيام وليس بأسابيع.

وفيما الجميع منشغل بكيفية الوصول الى موازنة يعتبرها الكثيرون اساسيّة ومقدمة لمرحلة جديدة، خرجت اصوات التشكيك بلبنانية مزارع شبعا، علماً انه حديث اخذ حقه في الساحة الداخلية ويمكن ارجاؤه بعض الوقت. لكن الخطورة في الكلام الصادر عن لبنانيين حول عدم لبنانيّة هذه المزارع يكمن في انه يعطي الذرائع ل​اسرائيل​ وغيرها من الدول لانتزاع هذه الارض من لبنان اولاً، كما انها تضع الاستراتيجيّة الدفاعيّة بأكملها في موضع الزوال لانتفاء الاسباب الموجبة لعقدها والبحث بها في ظل غياب الارض التي يجب ان يدافع عنها لبنان. صحيح ان اطماع اسرائيل وربما غيرها من الدول، لا تنحصر في مزارع شبعا وتلال ​كفرشوبا​، ولكنها يمكن ان تشكّل نقطة ارتكاز لخرق الحدود وتقليص المساحة الجغرافيّة الصغيرة للبنان اصلاً. من هنا، يبرز التناقض الواضح لدعاة انعقاد جلسات درس الاستراتيجيّة الدفاعيّة في الوقت الذي يزرعون الشكّ في احقيّة لبنان بمزارع شبعا والدفاع عنها واستردادها، فلأيّ غرض ستكون الاستراتيجيّة اذا لم يستطع اللبنانيون الدفاع عن حقوقهم المسلوبة، كي يتفرّغوا بعدها للدفاع عن ايّ خرق للارض والبحر وربما في وقت لاحق للجو؟!.

العبرة في المسألة ان ليس من مصلحة اي لبناني التشكيك بأحقّية الارض، والا سينتقل التشكيك تالياً الى البحر وعندها قد نفقد من مساحة لبنان الجغرافيّة الصغيرة قسماً كبيراً على شكل "هديّة مجانيّة" نقدمها لمن يرغب. واذا كان الهدف احراج ​سوريا​ من المسألة، فهو مشروع فاشل حتماً لان لا شيء يمنع في المستقبل من ان تستفيد سوريا من التقديمات المجانيّة كما ستستفيد اسرائيل من مزارع شبعا.

بالتالي، في حسابات الربح والخسارة، فإنّ لبنان هو الخاسر، ان على الصعيد الدبلوماسي والسياسي حيث ستقتطع اجزاء من مساحته الجغرافية، فيما الخسارة العسكرية ستكون معنوية لان المواجهة ستنتفي بطبيعة الحال ما لم يحصل اعتداء واضح على ما تبقى من الاراضي اللبنانية. اما الخسارة الاكبر فستكون داخلية، لان هوّة الانقسام ستكون عميقة جداً بين الاطراف اللبنانية، ونحن على ابواب استحقاقات مهمة ان على الصعيد الاقتصادي والمالي، او على صعيد استخراج النفط والغاز في المسيرة التي تم تحديدها للنهوض بلبنان، والتي سيكون مصيرها في هذه الحال الفشل الذريع قبل ان نخطو اول خطوة على هذا الدرب. ويمكن ايضاً اعلان وفاة اي بحث في ​الاستراتيجية الدفاعية​ في ظل تشرذم اللبنانيين، فالدفاع يكون من قبل الجميع، والوحدة عنصر اساسي وركيزة رئيسية في هذا الخيار، وستكون مفقودة لوقت طويل.

لم يكن موفقاً طرح مسألة عدم لبنانيّة مزارع شبعا في هذا الوقت، ولن يكون موفقاً الاستمرار في الالحاح عليها، لان خسائرها اكبر بكثير من اي انتصار سياسي او معنوي يعتقد البعض انه قادر على تحقيقه، خصوصاً وان هذا البعض يدرك جيداً انه طالما كان يحافظ على "خط العودة" بدل هدم الجسور بشكل تام، وقد فعلت هذه الاستراتيجيّة التي اتبعها لوقت طويل فعلها.