صدر كتاب جديد، ضمن سلسلة الراحل الأستاذ فريد أبو فاضل، الصحافي والأديب، بعنوان "من زوايا التاريخ ال​لبنان​ي". كتب هذا المخطوط في ستينات القرن الماضي، وهو مجموعة ​مقالات مختارة​ ومميزة بأسلوبها القصصي والأدبي السهل. تسكن في زوايا هذا الكتاب روح المؤلف التي تبتعد عن منهجية كتب التاريخ، إلا أن فرادته، يسكن مخيلتك، وتجبرك على حفظ مضامينه، مجسّدًا ذاكرة جماعية للإحاطة بالكثير من المواضيع والمحطات، ولا يخلو من طرائف واقعية، ولو أدخل على بعض أخبارها الطابع الأسطوري، إلا أنها تبقى محطات تأمليّة أساسية، شكلت بيئة حاضنة للروح اللبنانية، الباحثة دائمًا عن الحرية ومفاهيمها.

حقّق الكتاب المحامي بسّام أبو فاضل بتصميمه وبإخراجه الجميل، واضعًا المقالات بحسب تسلسلها التاريخي، التي تبدو للوهلة الأولى، غير متناغمة، إلا أنّك بعد الانتهاء من القراءة، تجد نفسك عائدًا من رحلة شيقة استكشافية في أفق تاريخي يربطنا فيه وجودنا الراهن.

يقول كاريل كُوزيك: "الإنتاج وإعادة الإنتاج بعث له وإنعاش" لا يحمل هذا الكلام ساذجية من جعل القديم الذي مّر عليه الزمان موافقا أسلوب العصر، ولا التغنّي بأمجاد ولت وزالت، ولا تكرار ما هو معروف، وهذا السؤال الذي اقلق بسّام أبو فاضل فعبّر عنه في توطئة الكتاب: "قد يبدو للوهلة الأولى، أن مواضيع هذه المقالات معروفة، لكنها بالحقيقة، قد تكون مجهولة أكثر ممّا نعتقد". لقد أصاب في قوله هذا، حتى ولو كانت هذه العناوين معروفة على وجه عام. إلا أن معالجتها وتأويلها في القرن الماضي في زمن بناء مؤسسات الدولة على عهد الرئيس ​فؤاد شهاب​ يعطي دلالات تحليلية تفكيكية تثقيفية كان فريد أبو فاضل يضيء عليه وقدنشر بعضها في جرائد في تلك الحقبة. وقد عنون الناشر القسم الأخير "من زوايا التاريخ العربي والعالمي"، فتسهل عندئذ المقاربة بين لبنان ومحيطه..

إن كتاب "من زوايا التاريخ اللبناني" يستحضر ماقاله والتر بنجاما "إنها وثبة النمر المشهورة داخل الماضي. هي علاقة ثورة باستمرارية التاريخ الحاضر في الزمن الراهن". لعل استحضار محطات وبطولات ومآس وصعوبات واستعراضها يشكل دافعًا جديدًا وجرعات لإكمال مسيرة هذا الوطن الرسالة، كما أن هذا الكتاب هو انصات للحريّة والتاريخ والتراث ولو بطرائق مختلفة عن المألوف.