مع بدء سريان إلغاء الإعفاءات التي كانت قد منحتها ​الولايات المتحدة​ الأميركيّة لعدد من كبار مُستوردي المُشتقّات النفطيّة ال​إيران​يّة، إرتفعت وتيرة التوتّر بين طهران وواشنطن، وإتجهت الأنظار إلى ما يُمكن أن يحصل في مضيق "هرمز" الحيوي، في حال نفّذت إيران تهديداتها بمنع تصدير النفط عبر هذا المضيق، في حال جرى منعها من تصدير وبيع نفطها. وعلى خطّ مُواز، ومع تصاعد وتيرة المُواجهة الميدانيّة المُباشرة بين مُؤيّدي المُعارضة الفنزويليّة بقيادة رئيس البرلمان خوان غوايدو–الذي أعلن نفسه رئيسًا بالوكالة، ومُؤيّدي الرئيس الحالي ​نيكولاس مادورو​ الذي كان قد بدأ مطلع العام الحالي ولاية ثانية له غير آبه بالتشكيك بشرعيّته من قبل المُعارضة داخل ​فنزويلا​، وكذلك من جانب الولايات المتحدة الأميركيّة والعديد من دول أميركا الجنوبيّة، زادت الأحاديث عن إحتمال قيام واشنطن بتحرّك عسكري لدعم غوايدو، علمًا أنّ الإدارة الأميركيّة فرضت منذ أشهر عدّة عُقوبات شاملة على شركة النفط الوطنية الفنزويليّة، وتسبّبت بالتالي بزيادة الأزمة الإقتصاديّة الحادة في فنزويلا. فهل يُمكن أن نشهد تدخّلاً عسكريًا أميركيًا في الأيام أو الأسابيع المُقبلة، على غرار ما حصل في الماضي القريب في أكثر من دولة في العالم؟!.

بداية لا بُدّ من التذكير أنّ الولايات المتحدة الأميركيّة كانت إعتمدت القُوّة العسكريّة المُباشرة في أكثر من محطّة منذ بداية الألفيّة الثالثة، بدءًا بمُهاجمة مناطق سيطرة إرهابيّي حركة "طالبان" وتنظيم "القاعدة" في أفغانستان في خريف العام 2001(1)، مُرورًا بإسقاط نظام حُكم الرئيس العراقي الراحل صدّام حُسين في ربيع العام 2003، وُصولاً إلى التدخّل العسكري في الحرب السُوريّة إعتبارًا من العام 2014. وبالتالي، إنّ تحرّكها عسكريًا في المناطق الحسّاسة في العالم غير مُستبعد في أيّ ظرف، في حال رأت ضرورة لذلك، مع العلم أنّ الرئيس الأميركي الحالي ​دونالد ترامب​، يُفضّل إستخدام التهديدات والضُغوط السياسيّة والعُقوبات الإقتصاديّة، كبديل عن التدخّل المُسلّح المُباشر الذي لا يُمكن أن يكون من دون أثمان في الأرواح.

وبحسب خُبراء غربيّين، إنّ الإدارة الأميركيّة الحالية تُدرك أكثر من سواها أنّ التدخّلات العسكريّة الأميركيّة المُباشرة في العقدين الأخيرين لم تأت بنتائج إيجابيّة. وفي هذا السياق، تكبّدت واشنطن خسائر هائلة في الأرواح والأموال في أفغانستان(2) لتنتهي الولايات المتحدة الأميركيّة اليوم وبعد مُرور 17 سنة على هذا التدخّل، على طاولة المُفاوضات في قطر مع مُمثّلين عن حركة "طالبان"! وفي العراق، لم تكن النتائج أفضل على صعيد الخسائر البشريّة والماديّة الأميركيّة على مدى 16 عامًا(3)، لتفرض إيران في نهاية المطاف قبضتها السياسيّة على الحُكم في بغداد! وفي سوريا، وعلى الرغم من الخسائر البشريّة والمادية الأميركيّة المَحدودة بسبب إقتصار التدخّل على مساحة جغرافية صغيرة(4)، فإنّ نتائج التدخّل كانت فاشلة أيضًا، لجهة بقاء النظام السُوري، ولجهة وقوع خلافات أميركيّة-تركيّة عميقة بشأن مناطق الحُكم الذاتي الكُردي، حتى لو أنّ الهدف المُعلن بشأن القضاء على تنظيم "داعش" الإرهابي قد أنُجز.

ودائمًا، بحسب خُبراء غربيّين، إنّ الولايات المتحدة الأميركيّة لا تُريد أي مُواجهة عسكريّة مع إيران، لكنّها تريد إرهاق طهران إقتصاديًا وماليًا إلى أقصى درجة مُمكنة، لدفعها إلى طاولة المُفاوضات مع واشنطن، ومن دون أن تكون في موقع قُوّة. وبالتالي، لا مُواجهة عسكريّة مُنتظرة، إلا في حال هدّدت البحريّة الإيرانيّة حركة الملاحة في ​مضيق هرمز​، فعندها يُصبح إحتمال الردّ الأميركي الميداني واردًا، ولوّ بشكل مضبوط الوتيرة، وبهدف إستدراج تدخّلات خارجيّة ووساطات دَوليّة لا أكثر، لإعادة حركة الملاحة البحريّة في المضيق المَذكور إلى طبيعتها.

وفي ما خصّ إحتمال التدخّل العسكري الأميركي في فنزويلا التي تملك خامس أكبر إحتياطي للنفط في العالم وأكبر إحتياط للغاز في القارة الأميركيّة(5)، إنّ نسبته أعلى بكثير مِمّا هي عليه في الخليج العربي، على الرغم من أنّ العائدات النفطيّة الفنزويليّة تُشكّل ما نسبته 75 % من عائدات فنزويلا، ما يعني أنّ العُقوبات الأميركيّة على هذا القطاع مُؤذية جدًا من دون أي تحرّك على الأرض. ومن الواضح، أنّ الولايات المتحدة الأميركيّة لن تتدخّل عسكريًا في فنزويلا، إلا في حال نجاحها مع المُعارضة الفنزويليّة في إستمالة ما يكفي من ضُبّاط ومن جنود الجيش الفنزويلي لتأمين السيطرة على جزء من البلاد، خاصة وأنّ التدخّل الروسي المُقابل في فنزويلا–ولوّ بشكل رمزي حتى الساعة وعبر مجموعة من الخُبراء والمعدّات فقط، دفع الإدارة الأميركيّة إلى مُراجعة حساباتها بدقّة.

في الخُلاصة، الصراع الحالي بين واشنطن من جهة، وكل من طهران و"بيونس آيريس" من جهة أخرى، يدخل في سياق الكباش السياسي والإقتصادي والمالي، ومن غير المُرشح أن يتصاعد إلى أيّ نوع من المُواجهات العسكريّة في المدى المنظور. لكنّ هذا الصراع يبقى في نهاية المطاف نوعًا من اللعب على حافة الهاوية–إذا جاز التعبير، حيث أنّ إحتمال وقوع مُناوشات أمنيّة في مضيق هرمز يبقى قائمًا مع ما يعنيه هذا الأمر من مخاطر، تمامًا كما هي حال إحتمال حُصول تدخّل عسكري أميركي محدود وسريع في الأرجنتين، في حال تأمّنت الأرضيّة الميدانية لذلك من قبل المُعارضة الفنزويليّة أوّلاً.

(1) ردا على هجمات 11 أيلول 2001 في العمق الأميركي.

(2) قُتل أكثر من 2400 جندي وجُرح الآلاف على مدى 18 سنة، والخسائر المالية تُقدّر بمليارات الدولارات.

(3) قُتل 4384 جُنديًاأميركيّا، وجرح 32180 آخرين، في حين بلغت التكاليف المادية أكثر من 800 مليار دولار أميركي.

(4) قُتل 6 جنود وجُرح 28 آخرون من الجيش الأميركي فقط.

(5) يُقدّر إنتاج فنزويلا اليومي من النفط بنحو 3.9 مليون برميل.