صمدت ​سوريا​ سنوات طويلة في مواجهة حرب عنيفة، لم تُعتمد فيها السُبل المسّلحة فقط، عبر مجموعات إرهابية، بل تجنّدت عواصم دولية لمحاربة السوريين، بالسِّلاح، والإعلام، والحصار ​الإقتصاد​ي. لكن سوريا إستطاعت بمؤازرة حلفائها أن تمنع سقوط الدولة، وتستعيد ما خسرته من اراض ونفوذ، لتبقى اجزاء من الشمال والشرق تحت سيطرة مسلّحين موزّعين بين متطرفين إسلاميين مدعومين بشكل اساسي من ​تركيا​، وأكراد سوريين مدعومين من الأميركيين تحت مسمّيات عدة.

نجحت دمشق في الإمساك بالمبادرة الميدانية، وإستطاعت نسبياً أن توحّد صفوفها بخطابٍ إعلامي جامع، نجح حيناً وأخفق حيناً، بمواجهة إمبراطوريات إعلامية مدعومة من دول عربية خليجيّة، وغربيّة.

وإذا كانت العواصم سلّمت بحقيقة أنّ سوريا عصيّةٌ على السقوط بالسلاح، أو بالإعلام، بعد تجربة ثماني سنوات متتالية، رغم بقاء المحاولات قائمة، فإنّ السّلاح الأساسي الذي يُستخدم الآن هو الإقتصاد. ولذلك، جرى فرض العقوبات الماليّة على إقتصاديين أو شركات بارزة، ومنع وصول مواد نفطيّة وإستهلاكيّة، ما تسبّب بأزمة بنزين في الأسابيع الماضية، إستطاعت أن تخرج سوريا منها في الايام القليلة الماضية.

يروي سوريون في جلساتهم أن عدداً كبيراً من رجال الأعمال السوريين كان إنسحب تدريجياً من المشهد في السنوات السابقة، وجلس في ​بيروت​ او دبي او ​القاهرة​، او عواصم اجنبية، يترقّب مسار الأزمة، ولا يزال إقتصاديّون سوريّون من الكبار حتى الآن لا يوظّفون أموالهم بإستثمارات داخل سوريا، رغم عودتهم إليها، في وقت يتأكد للسوريين يوماً بعد آخر، أن الإعمار في سوريا يكون عبر أبنائها الوطنيين انفسهم.

لكن من يُترجم تلك المعادلة؟ حتى الآن هم قلّة يصفها السوريون بالشُجاعة، يتقدّمهم الإقتصادي المعروف سامر فوز، الذي يطغى الحديث عن إنجازاته في كلّ مجالس السوريين الضيّقة والعامة، بعدما أسّس مصانع لتجميع السيارات والحديد، وغيرها من إستثمارات ضخمة في عز الأزمة، تُعطي السوريين آملاً بما هو آت رغم التحدّيات الصعبة التي تواجهها سوريا.

لكن ما ينتظره السوريون منه هو معمل ضخم للأدوية السرطانيّة بات جاهزاً وينتظر موافقة وزارة الصحّة السوريّة، ومن شأنه التخفيف من آلام السوريين، وخدمة الدول المحيطة بسوريا، نتيجة العناء الذي يتكبّده مرضى السرطان. هذا ما يتحدث عنه السوريون في جلساتهم اليومية.

لا يبدو ان تلك الإستثمارات سوف تتوقف، وتوحي بإندفاع غير مسبوق، رغم الحملات الإعلامية الخارجية التي تستهدف دولياً كلّ إقتصادي سوري وطني، كما فعلت الحملات الإسرائيلية المكثّفة ضد فوز نفسه.

لكن هؤلاء صمّموا المضي قدماً، واستكملوا خطواتهم الإقتصاديّة الصناعيّة الجبّارة بالتعاون احيانا مع حلفاء سوريا، للتخفيف من وقع العقوبات، ما يؤكد فعاليّة الإعتماد على السوريين الوطنيين انفسهم، بدعم مباشر من القيادة السياسيّة التي شكّلت مثالاّ حيّاً في الصمود أمام الحملات والحروب والعقوبات، كما يقول السوريون.

يُصبح أمر الدعم الرسمي والشعبي للخطوات الإقتصاديّة والإستثماريّة واجباً بنظر السوريين، لأنهم باتوا يعرفون ان الحرب ضد بلادهم تحوّلت من عسكريّة مسلّحة، إلى ماليّة إقتصاديّة، لضرب مقوّمات الصمود السوري من الداخل، وإجبار دمشق على الرضوخ والقبول بالإملاءات التي لا تكتفي عند عناوين سياسيّة في مقاربة الشؤون الإقليميّة او الدوليّة، بل تتدخل في تفاصيل حياة السوريين.

ما جرى في أزمة النفط دليل حي بإتجاهين: إستمرار الحرب الإقتصادية الدولية ضد سوريا، وقدرة السوريين على الصمود رغم الآلام. ما يعني أنّ الأزمات قد تتكرّر بعناوين أخرى، ليبقى بالنسبة الى السوريين عامل التكاتف الداخلي ودعم المستثمرين هو أساس الصمود في المواجهة، والسبيل الوحيد للخروج من الأزمة الكبرى المستمرة منذ عام 2011.