نجحت «العصبية العسكرية» في جمع ما فرّقته العصبيات السياسية والطائفية والمذهبية، الى درجة انّ عضو كتلة «القوات اللبنانية» النائب العميد ​وهبة قاطيشا​ لم يجد حرجاً في التعاون مع النائب اللواء ​جميل السيد​ والوقوف بالقرب منه مُنصتاً الى كلامه، بعد لقاء النواب من الضباط المتقاعدين مع الرئيس ​ميشال عون​ في القصر الجمهوري، على رغم من انّ ما بين السيد و»القوات» من دعاوى قضائية وحروب «داحس والغبراء»!

بدت صورة النواب الستة من ذوي «الثياب المرقطة» في القصر الجمهوري لافتة شكلاً ومضموناً، بعدما اصطف هؤلاء جنباً الى جنب خلال اللقاءإ دلاء السيد بتصريحه دفاعاً عن حقوق ​العسكريين المتقاعدين​، حتى بدوا كأنهم أعضاء «مجلس قيادة الثورة»، بل إنّ أحد الظرفاء اعتبر انه لم يكن ينقصهم سوى تنفيذ انقلاب والاعلان عن «البيان الرقم واحد».

أما تولي السيد تحديداً تظهير الموقف باسم المجموعة، فيعود على الارجح الى كونه الأعلى رتبة من بين أعضائها، إذ إنه لواء سابق في حين انّ الآخرين هم عمداء سابقون، فيما تردّد انّ عون ربما يكون قد تمنى عليه ايضا ان يبادر هو الى التصريح.

ومع انّ الشخصيات الست تنقسم حول خيارات سياسية وملفات داخلية عدة، إلّا أنّ هاجس المَسّ برواتب المتقاعدين ومخصصاتهم كان كفيلاً بدفعها الى تعليق العمل بخلافاتها لبعض الوقت وتشكيل «وحدة كوماندوس» نيابية لحماية المكتسبات، وهي ضمّت الى اللواء السيد (مستقل) والعميد قاطيشا («القوات اللبنانية») كلا من العميد ​جان طالوزيان​ («القوات») العميدين ​شامل روكز​ و​انطوان بانو​ («التيار الوطني الحر»)، والعميد ​الوليد سكرية​ (كتلة «الوفاء للمقاومة»).

هكذا، وفي واحدة من المرات القليلة، زالت المسافة بين «القوات» و»حزب الله» و»التيار» والمدير العام السابق للامن العام الذي تتهمه ​معراب​ بأنه كان أحد المسؤولين الاساسيين عن زجّ قائدها في السجن.

وعُلم انّ مبادرة هؤلاء النواب الى تجميع صفوفهم المبعثرة حصلت بعد «استنجاد» متقاعدي الجيش بهم، حيث زارهم قبل نحو أسبوعين ممثلون عن روابط العسكريين المتقاعدين المنتمين الى كل الطوائف والمناطق، وعقدوا اجتماعاً معهم في المكتبة العامة للمجلس النيابي، في اعتبارهم يمثلون معاً وزناً سياسياً وتشريعياً، يمكن أن يلجم أيّ محاولة للاقتطاع من الحقوق.

وفيما كان العسكريون يتظاهرون على الارض، تولى هذا «الكوماندوس» النيابي التحرك سياسياً على اكثر من مستوى وتنفيذ «عمليات انزال» خلف خطوط ​الموازنة​، سعياً الى الحؤول دون اقرار اي بند قد يستهدف الرواتب والمخصصات التقاعدية التي تعنيهم مباشرة مثلما تعني جميع المنخرطين في الجيش و​القوى الامنية​.

وعلى وقع الاحتجاجات الهادرة في الشارع مطلع الاسبوع، اجتمع النواب الستة في المجلس وناقشوا طريقة مواكبتها، ليستقر الرأي على طلب موعد عاجل من رئيس الجمهورية بغية وضعه في صورة المطالب والوقائع، منطلقين من أنه الأقدر على تفهمها والاستجابة لها كونه يشكل بشخصه وتجربته جزءا من نسيج المتقاعدين ونبضهم، الى جانب أنه المرجع الاول في الدولة وبالتالي صاحب التأثير الكبير في خياراتها المالية الاستراتيجية.

لم تجد قوة «التدخل السريع» من النواب صعوبة في إقناع عون بطروحاتها والحصول على دعمه في معركتها «الاستباقية»، وهو الموجود تلقائياً على الموجة نفسها، مؤكداً لضيوفه رفضه المَسّ بحقوق العسكريين والموظفين، ومشيراً الى انّ من واجب الدولة أن تضبط الإنفاق وتكافح الهدر قبل البحث في خيارات أخرى.

وقال قاطيشا لـ«الجمهورية»: «إنّ تحركنا المشترك كنواب من مضارب مختلفة أعطى رسالة ثقة واطمئنان الى العسكريين المتقاعدين، فحواها أننا جميعاً ندعم مطالبهم المحقة ونقف معهم في الخندق ذاته، مهما تباينت مواقفنا واتجاهاتنا في السياسة». ولفت الى «ان تلاقينا حول قضية المتقاعدين لا يلغي حقيقة أن لكل منا موقعه وخياراته»، مشيرا الى انه شخصياً كان حريصاً على المشاركة في نشاط النواب الستة دفاعاً عن حقوق العسكريين، بمعزل عن الخلافات الحادة المعروفة مع اللواء السيد او غيره، «لأنّ «القوات» مقتنعة بمشروعية هذه الحقوق لأبناء ​المؤسسة العسكرية​، ولا تريد أن تمنح أحداً فرصة تأويل أيّ غياب ومحاولة استخدامه ضد «القوات» ربطاً بملفات الماضي وجروحه».

ويضيف قاطيشا: «لقد طلب منا المتقاعدون أن نؤازرَهم في تحركهم، وكان من الطبيعي أن نستجيب نداء الواجب، علماً انّ الخصومة القائمة بين بعض النواب الستة، لا تمنع من أننا نلتقي في اجتماعات ​اللجان المشتركة​ او في مناسبات أخرى، حيث نتناقش ونتبادل الآراء، وقد تحصل تقاطعات أحياناً أو يستمر الخلاف».