إن زيارة "​البابا فرنسيس​" الى ​الامارات​ العربية هي لقاءً ملؤه الامل في غد مشرق، أولد وثيقة أخّوة إنسانية طرحت بين العرب، مسلمين ومسيحيين، فباتت إعلاناً لنوايا صالحة وصادقة، ودعوة لمن يحملون قلوبهم بالله، ويؤمنون بالاخوة ​الانسان​ية، الى أن يتوحدوا ويعملوا معاً عبر ثقافة الاحترام المتبادل في جو من النعمة الالهية التي نأمل بأن تكون قد جعلت من الخلق العربي الحاضر، إنجازاً لمستقبل إسلامي مسيحي، يعمّرون الارض، وينشرون فيها الخير و​المحبة​ والسلام. فيستطيع الابطال كما يقول روجيه كارودي" يقولون بفعل المستحيل، لأنهم باتوا قادرين على فعله".

إن في ذلك تباشير المستقبل التي طرحت المحبة والحوار، والتي هي ملح الارض، التي تصلح وتزهو، ومن دونكم تفسد وتمحل.

إن المسيرة ضيقة لكنها مضيئة، فلنعمل على غمرها بالحب والفرح والسعادة. وإثبات الذات بعيداً عن الخداع والقبول في الحقوق والواجبات والكرامة. ف​الفقر​اء والبؤساء والمحرومون والمهمشون، ومدُّ العون للايتام والارامل والمهجرين والمعذبين باسم الاخوة الانسانية التي تجمع البشر وتوحدهم، بعيداً عن الذين أرهقتهم سياسات التعصب والتفرقة، وباسم ​العدل​ والرحمة وذوي الارادة الصالحة، وباسم كل ما سبق في "إعلان الازهر الشريف" ومن حوله ​المسلمون​ في مشارق الغرب ومغاربها، و​الكنيسة الكاثوليكية​، و​المسيحية​ في الشرق والغرب بصورة عامة بتبني الحوار والتعاون المشترك سبيلاً، وبنشر منطق المسؤؤلية الدينية والادبية، والعمل بثقافة التسامح، والتعايش والسلام والاتفاق على وقف سجل الدماء البريئة، ودعوة المفكرين ورجال الدين والفنانين والمبدعين كطوق نجاة للجميع.

إن التمسك بحماية الاجيال الجديدة هو غير سيطرة الفكر المادي، واللامبالاة القائمة على قانون القوة، لا على قوة القانون. إن الحوار ونشر ثقافة التسامح وقبول الآخر، والتعايش بين الناس من كافة طوائفهم، وحماية دور العبادة من الكنائس والمساجد.

أما المواطنة فانها ثقوم على المساواة في الواجبات، وينعم في ظلالها الجميع بالعدل والتخلي عن الاستخدام الاقصائي" للأقليات" التي تحمل في طياتها الاحساس بالعزلة والدونية، وتمهّد لبذور الفتنة والشقاق.

وبعد فان الاعتراف بحق المرأة في كافة الحقوق التعليمية والعملية، والسياسية هي ضرورة ملحة للاستغلال الجنسي والممارسات الانسانية والعادات المنزلية لكرامتها، إضافة الى حصولها على كامل حقوقها. ولا بد من الاشارة الى أن حقوق الاطفال، والتنشئة الاسرية والتغذية والتعليم والرعاية، وعدم التعرض لما ينال من كرامتهم وحقوقهم، وجريمة المتاجرة بطفولتهم. ولا بد أخيراً من الاشارة الى حقوق المسنسن والمستضعفين، وتوفير حمايتهم وفقاً للمواثيق الدولية الخاصة بهم.

أيها السادة،

إن التعاون المشترك بين "الكنائس المسيحية" "والازهر الشريف"، "والمنظمات الدولية والاقليمية"، "و​المجتمع المدني​" "وقادة الفكر والرأي" للسعي بما جاء بها من مبادئ على كافة المستويات الاقليمية والدولية وترجمتها الى سياسات وقرارات ونصوص تشريعية، ومناهج تعليمية وإعلامية.

ولتكن هذه الوثيقة دعوة للمصالحة والتآخي بين جميع المؤمنين بالاديان، ولتكن رمزاً للعناق بين الشرق والغرب والشمال والجنوب، ولجميع من يؤمنون بان الله خلقنا لنتعاون معاً.

إن هذه النظرة الشاملة لمعظم المجتمعات الدولية، والاقليمية، تتطلب تساؤلاً حول مهام الوجوه اللبنانية والعربية، لنتمكن من معالجتها والدعوة الى توافقها بين معظم الاحزاب المنضوية عبر ​الحكومة​ الحالية، حيث يبدو بان امراً مستبعداً من العديد من اللبنانين بمن فيهم الحزبيون يمارسون الحكم بطريقة اللاحكم. والسؤال الذي يطرح نفسه: "هل أن النخب التي سبق أن اشتهرت باستخدام ​السلاح​ في وجه بعضها بالبعض الآخر" باتت اليوم تساهم في طرح الثقافة الحوارية (الحقيقة)، والثقافية في مساهمة رفع سياسة الوحدة الوطنية والحياة المشتركة بمضامينها الدينية والذاتية بين جميع المواطنين؟

إننا ننتظر غيرنا، أن يطمئننا بان ثقافة الحياة الواحدة بمعناها الحضاري والانساني، باتت تأمل أن تستفيد من الماضي، وما حصل به من حروب وتراكمات معرفية قديمة تركتها لنا، نأخذ بعضا منها الدروس والعبر في حوار صادق وحقيقي، يقرّب القلوب والافكار معاً، وجنون العاصفة التي استمرت في البقاء خلال السنوات السابقة، حيث تم ​الفساد​ كما عمَّ في "طوفان نوح"، وقبل حرب "سادوم وعامور"، حيث كانت الشهوة واللذة والفساد قائمة على الشهوة واللذة في مهرجانات وأعراس، أين منها اليوم أعراس الفسق والشبق وشهوة المال، اذ إباحية تهتك وتنذر بجرف ​السدود​ والحدود، زحف التفلت والفساد الطاغي والمخيف.

لا، ليس من الفضيلة بشيء أن تقتل مواطنيك، وتخون أصدقائك، وتكون بلا شفقة. إذا لم يكن الحوار صادقاً، تتساوى به الكلمة وينطبق بها اللسان، مع ما يتضمنه الفكر والقلب معاً، فليس علينا أن نيأس ولا يمكننا المثول امام الله، اذا لم نكن مستعدين للحب والبذل والصدق من ذواتنا، وما نلنا منها.

إنطلاقاً من ذلك، علينا بان نقوم بعدّة لقاءات مليئة بالاخوة والصداقة، بعيداً عن الفساد والتدهور الاخلاقي ، والطائفية والمذهبية واضعين في قلوبنا ايماناً يالله، وبالاخوة الوطنية والانسانية.

فالبيت اللبناني قائم على أعمدة اجتماعية، وتاريخية، واقصادية، لا يتقبّل الضلوع من الانانية، والتسلح بالفساد والظلم وعدم المساواة و​العنصرية​، والتدهور الاخلاقي والتطرف و​الارهاب​ ولكنه يهدف الى نوايا صالحةعبر دعوة كل من يحملون في قلوبهم الكذبة ايمانًا بالله والوحدة الداخلية والاخوة الانسانية اليوم وفي الاجيال القادمة.

إن الامر صعب. والطريقة شاقة وطويلة. فلنعتمد الحوار والعيش المشترك، ولنوحّد طاقاتنا، إنقاذاّ لوطننا بجميع مكوناته من المهجرين، و​النازحين​ والمستضعفين والمعذبين، وحسبنا في ذلك وفاءً لارض الآباء والاجداد، ونشر قيم الخير والحق والسلام. ولنعد الى عزمنا، وكرامتنا، لاننا بتنا لا نطيق بهما صبراً. فالى العمل نحن مدعوون اليوم، وغداً. ولا فرق إن لم يكن ذلك في إيامنا، فطاقات الخير متوفرة بإذن الله جميعاً. فالحكم بطريقة اللاحكم. والعمل على أساس اللا عمل. والتحّرك، والتحريك ليسا بدون سابقة في تاريخنا. ولندع الامور تأخذ مجراها. ولتسجل هذه الفقرات التاريخية الكبرى التي حققّتها، وتحققّها الحضارات الحديثة في مجال العلم والتقنية، والطب، و​الصناعة​، والرياضية، والشعور بالمسؤولية، وبخاصة للاجيال القادمة في جو من ادراك النعمة الالهية الكبرى التي جعلت من الخلق جميعاً، أخوة، لاحباط العزلة واليأس، بعيداً عن التطرف الالحادي، واللاديني بما انتج وينتج، اعداداً هائلة من المرضى والمعوزين، إضافة الى أزمات قاتلة، تشهدها كثيرة من الدول، من كنوز وثروات، إضافة الى أزمات قاتلة بالرغم من كنوزها وثرواتها، وشدّة الفقر والجوع الذي يسود صمتاً عالمياً غير مقبول. والسياسيون "ذوو الحنك" يتمتعون بنعمة "الحكم بطريقة اللاحكم"، وهي التي ينعم بها الناس بتعميم فضلها وجزيل خيراتها. فنادراً ما يكون الجديد حقيقياً. ونادراً ما يكون الحقيقي جديداً.

وعليه،

إن هذه الكلمات هي في الرف البارز في المكتبات والمجلدات والمقالات وعليه،

يقول مارتين لوثر كينغ للنجاح ثلاثة أبعاد:

ألاول نجاحكم الشخصي "وهو حقكم وواجبكم"

والثاني "تضامنكم من خلاله تصنعون الأعجوبة"

والثالث هو "الارتباط بما هو فوق"

فلا تزهوا أفكاركم في الارض فقط، بل انظروا في عمق أعماقكم، فأبوَّتكم لنا تثبت أخوتنا وابناءنا، باذن الله.

فلنكن جميعاً في خدمة الوطن ولنجعله وطناً حقيقياً جديداً، يبني شعبه مستقبله عبر دعم الابناء الصادقين المؤمنين بالله وباحترام الانسان.

وتحية مشرّفة وكريمة لجعلهم يعملون على الحرية والكرامة المتعددة الوجوه، وعلى استمرارها اليوم، وغداً، وفي مشرق الزمان.

... وبخاصة فيك يا لبنان...