يشعر المتابع عن كثب ل​ملف النازحين السوريين​ أن الزخم الذي رافق ولادة ​الحكومة​ لاعادتهم الى بلدهم بأسرع وقت، تراجع الى حدوده الدنيا في المرحلة الحالية، وكأنّ هذا الملف غرق في الأولويّات الاقتصاديّة والاجتماعيّة الداهمة، علما انّ القضية التي نحن بصددها قد تكون اساس ايّ مشكل اقتصادي او اجتماعي في البلد، لا بل أبعد من ذلك، تشكّل بحسب المعنيين، خطرا وجوديًّا يستدعي الاستنفار.

فبعد ان كانت كل الاضواء قبل أشهر تتركّز على حركة الوزير الشاب ​صالح الغريب​، نجح الاخير بالابتعاد عنها تباعا لينكب على انجاز ما تبقى لانجازه من خطّته، التي من المفترض أن توضع على طاولة ​مجلس الوزراء​ في أقرب فرصة، بعدما تمّ سحب الملف الذي تحوّل في مرحلة من المراحل كمادة دسمة للسجالات السياسيّة من التداول، وحصره بالنقاشات التي يتولاها المسؤولون ال​لبنان​يون مع نظرائهم في الاقليم والغرب.

ومن المفترض أن يكون الغريب قد شارف على الانتهاء من اعداد خطته التي ينتظرها اللبنانيون بفارغ الصبر، بعد أن وصلت الامور بهم الى نقطة اللاعودة وهو ما عبّرت عنه المجتمعات المضيفة والبيئات التي اعتبرت حاضنة طوال السنوات الماضية، حين خرج أهلها الى الشوارع للمطالبة بعودة النازحين الى بلادهم، ولعل ما شهدته أحياء ​عرسال​ لا يزال حاضرا في الاذهان.

ولا شك أن ما كانت عليه الامور قبل عامين في هذا الملف، ليست على الاطلاق ما هي عليه اليوم، اذ يؤكد النازحون أن الكثير من التدابير والاجراءت باتت تُتخذ لحثّهم على العودة بأي ثمن، سواء من خلال التشدّد في تطبيق القوانين، وملاحقة كل من لا يمتلك اوراقا ثبوتية او من يعمل في لبنان بشكل غير شرعي، او من خلال اقفال كل المحالّ والمؤسّسات السوريّة التي لم تكن مسجّلة بعدما كثّفت الاجهزة الامنيّة حملاتها لمداهمة المخالفين. ويتحضر، بحسب المعلومات، قسم كبير من النازحين للعودة الى مدنهم السوريّة وقراهم مع حلول فصل الصيف، كونهم كانوا يتجنّبون الانتقال في الشتاء نظرا للمصاعب الشتّى التي يواجهونها في ظروف الطقس القاسية، خاصة وان قسما كبيرا من منازلهم يحتاج لاعادة الترميم او الاعمار.

وتتّبع وزارة الدولة لشؤون النازحين سياسة التعتيم المطبق على الخطّة التي يتمّ العمل عليها خوفا من "حرق الطبخة"، وان كانت مصادر مطّلعة تؤكد انها الخطّة الاكثر جدّية على الاطلاق التي تم العمل عليها، لافتة الى ان الوزير بصدد دعوة الـ"NGOS" اي المنظمات غير الحكوميّة سواء المحليّة او الاجنبيّة المعنيّة بملفّ النازحين كما كل المعنيين الآخرين الى ورشة عمل للوقوف عند آرائهم من هذا الملف، بمسعى لوضع اللمسات الاخيرة على الخطّة او حتى ادخال تعديلات او اضافات اليها بناء على التوصيات التي ستصدر عن المجتمعين.

ويبدو واضحا ان الحكومة تعمل وفق جدول اولويّات غير معلن، فبعد اقرار خطة الكهرباء، انصرفت مباشرة لاقرار الموازنة، حيث بات واضحا أنّ الملفّ الذي سيتصدر النقاشات بعد ذلك مع تعدد الخيارات سيبدأ من ملفّ النفايات الى النازحين فالاستراتيجيّة الدفاعيّة... مع ترجيح مراقبين ان يترك الملف الاخير في أسفل سلم الاولويات لمعالجة الملفّين الاوّلين الطارئين ولا يحتملان أيّ تأجيل.