لمّا علمت بأن قلبي فارغ ممن سواك ملأته بهواكَ

وملأت كلي منك حتى لم أدع مني مكاناً خالياً لسواكَ

فالقلب فيك هيامه وغرامه والروح لا تنفك عن ذكراكَ

والسمع لا يصغي إلى متكلم إلا إذ ما حدثوا بحلاك َ

إن من فضل الله تعالى وكرمه على هذه الأمة أن جعل لها مواسم خير، ومحطات إيمانية يتزوّد من خلالها المؤمن بزاد التقوى، ويتقرّب إلى ربه عز وجلّ بأنواع القربات. ومن هذه المواسم: ​شهر رمضان​، شهر فيه ليلة هي خير من ألف شهر، شهر تصفد فيه الشياطين، وتفتح فيه أبواب الجنان، وتغلق فيه أبواب النيران.

يعتبر شهر رمضان من أعظم الشهور منزلة عند الله تعالى، لما فيه من الخير والبركات والنفحات الإيمانية، فعلى المسلم أن يتعرض لهذه النفحات الإيمانية في هذا الشهر الكريم، والرابح من استغل هذا الشهر في طاعة الله عز وجل، والخاسر من ضيّع وفرّط في هذا الشهر الكريم.

الأنفاس معدودة والآجال محدودة، ومن أعظم نِعم الله علينا أن مدّ في أعمارنا وجعلنا ندرك هذا الشهر العظيم، فكم غيّب الموت من صاحب، ووارى التراب من حبيب، تذكروا من صام معنا العام الماضي وصلّى العيد، ثم أين هو؟ وأين هي الآن؟ غيّبهم الموت وواراهم التراب، ونسيهم الأهل والأحباب.

فمرحباً بشهرٍ طيّب مبارك كريم، في رمضان أنزل القرآن والكتب السماوية، في رمضان الشفاعة ب​الصيام​ والقرآن، في رمضان التراويح والتهجّد، في رمضان التوبة وتكفير الذنوب، في رمضان تصفد الشياطين، في رمضان تغلق أبواب الجحيم وتفتح أبواب الجنان، في رمضان الجود والإحسان والعتق من النيران، في رمضان الصفح والعفو وتطهير القلوب من الضغائن والأحقاد، في رمضان حب الناس وحب الخير للناس، في رمضان الصبر والشكر والدعاء، في رمضان مضاعفة الحسنات و​ليلة القدر​، في رمضان ترك العادات السيئة والضارة، في رمضان الأخلاق الحسنة مع الناس وإظهار احسن وأطيب ما في النفوس، في رمضان حب الوطن والحفاظ عليه وعلى مؤسساته وعلى طرقاته وعلى بنيته، رمضان شهر الجهاد والانتصار.. فكيف لا يفرح المؤمن بشهر هذا بعضُ ما فيه؟

فلنجعل لنا من هذا الحديث نصيباً، قال صلى الله عليه وسلم: "اغتنم خمساً قبل خمس: اغتنم حياتك قبل موتك ، وصحتك قبل سقمك ، وفراغك قبل شغلك، وشبابك قبل هرمك، وغناك قبل فقرك"، رواه الحاكم.

ولنحرص على أن نكون من خيار الناس كما قال صلى الله عليه وسلم وأخبر حين سُئل: أي الناس خير؟ قال: "من طال عمره وحسن عمله".

فالمطلوب منّا هو تحقيق تقوى الله جل في علاه، التي هي الغاية المنشودة والصفة المفقودة، قال سبحانه: وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ [النساء:131]، وقال صلى الله عليه وسلم: "اتق الله حيثما كنت"، والتقوى في أبسط معانيها: فعل المأمور وترك المحذور.

فهل ترانا نحقق هذا بصيامنا؟.

ولا ننسى أن حاجتنا للعبادة كحاجة الأرض للمطر، فلا تحيا القلوب إلا بذكر علام الغيوب، ونحن في أمس الحاجة إلى تقوية الصلة بالله، حتى نكون من أوليائه الذين قال عنهم: أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ [يونس:62-63].