يصادف السادس من ايار من كل عام، ذكرى شهداء ​لبنان​ الذين سقطوا إبّان الاحتلال العثماني على يد جمال باش المعروف بـ"السفاح". من المهم ان نستذكر هذه المناسبة، ليس من باب الالم والحزن، بل من باب الوحدة والتضامن، واستذكار كيف ان اللبنانيين في حينه، كانوا اكثر تعطشاً لبلدهم من ايامنا هذه، حيث جمعتهم فكرة الدفاع عن ارضهم ومواطنيهم، ودفعتهم الى تقديم اغلى ما عندهم أيّ حياتهم، ثمناً لبقاء لبنان بدل ان يذوب في سياسة السلطنة العثمانية التي كانت قائمة.

اليوم، وللاسف، بتنا نختلف حتى على تسمية الشهداء وعلى اهدافهم، فبات لكل حزب او تيار او مجموعة، شهداء يحتفلون بذكراهم في اوقات مختلفة ويعمدون الى "استغلال" دمائهم لغايات سياسية او لترسيخ شعبية هذا الزعيم والمسؤول او ذاك. فقدت فكرة الشهادة في لبنان معناها، والسبب هو انقسام رؤية اللبنانيين لمفهوم السيادة و​الاستقلال​، فكل فريق يرى الموضوع من منظاره، ويرى ان شهداءه هم افضل من سواهم لانهم بذلوا حياتهم في سبيل غاية نبيلة وهدف لا يسعى اليه الآخرون. ان هذا المفهوم السائد هو الذي يجب ان يخيفنا، فلبنان بالنسبة الى اللبنانيين اصبح "لبنانات"، يرسم حدوده ومفهومه ويقيم اساساته فريق واحد دون اي قواسم مشتركة مع الفرق الاخرى التي تعيش على الارض نفسها وتتقاسم المشاكل والمتاعب نفسها.

هذه احدى الاسباب الكثيرة التي تمنع توحيد ذكرى الشهداء في لبنان في يوم واحد كما يحصل في كل دول العالم، واللافت انه بدل ان نحتفل بيوم واحد بذكرى جامعة، باتت الايام التي سقط فيها شهداء من كل ​الطوائف​ والمذاهب والاحزاب، اقوى من السادس من ايار، حتى بات هذا اليوم بمثابة "يوم عادي" في ​تاريخ لبنان​ في ما اصبحت التواريخ الاخرى اياماً استثنائية لا يمكن تجاوزها والا اعتبرت استهدافاً للطوائف والمذاهب والاحزاب، ولم يعد احد يعتبر ان الذين سقطوا في 6 ايار في ​ساحة الشهداء​ كانوا ركيزة اساسية ومدماكاً صلباً من اسس اقامة لبنان، والانتفاضة على الظلم والاحتلال واعادة الحق الى اصحابه.

وفيما يفشل اللبنانيون في الالتقاء على قضايا مصيرية تهدد حياتهم وحياة اولادهم وحتى بقاء بلدهم وهويته، من غير المتوقع حتماً ان يعودوا الى التوحد حول عيد واحد للشهداء يحيونه بإرادة وعزم قويين، واصبح "الانجاز" بإعادة احياء ذكرى السادس من ايار هو كل المرتجى بينما يقف النصب الموضوع في ​وسط بيروت​، كشاهد مرير على الايام التي حوّلت اللبنانيين من شعب متعطش للحرية والوحدة والتضامن، الى شعب منقسم على ذاته لم تعد تعنيه قيم النضال التي سقط في سبيلها شهداء6 ايار والذي يجمع بينهم انهم كانوا ينتمون الى طوائف مختلفة ومناطق مختلفة، لكنهم متوحدون تحت هدف واحد هو مكافحة الاحتلال واعادة الروحية الى الاستقلال والتخلص من نير الممارسات التي تترافق مع كل احتلال غاشم لارض وشعب.

ما الذي يمنع توحيد ذكرى شهداء لبنان؟ الجواب يكمن في السبب (او الاسباب) نفسها التي تمنع توحيد اللبنانيين وعملهم ومسيرتهم نحو قيام وطنهم كما يرغبون فيه، وكما يريدون ان يعيش فيه ابناؤهم واحفادهم من بعدهم. لقد علّم الفينيقيون العالم الحرف والتجارة، وها ان العالم بات يعلّمنا ان مفاهيمه ومصالحه اهم من مفهومنا ومصلحتنا، وليس من المحبّذ بالفعل العودة الى نغمة غير مقنعة، وتقضي بأن لبنان دفع ضريبة واقعه الجغرافي وتناحر القوى والدول من حوله، لأنّه حينما يتوحد اللبنانيون ويقطعون الطريق بالتالي على اي كان ان يتدخل في شؤونهم، سيكون من الصعب جداً ان تستطيع اي دولة ان تفرض ما تريده بالقوة على ابناء هذا البلد، والتجارب الماضية خير دليل على ان عزيمة اللبنانيين تبقى اقوى من اي ارادة خارجية، انما انقسامهم هو سر التفوّق عليهم، ومن له اذنان سامعتان، فليسمع...