يُروى أن رجلًا أضاع محفظة نقوده في العتمة، إقترب من أقرب ضوء وبدأ يفتِّش، شاهده أحد المارين فسأله:

ماذا تفعل يا رجل؟

أجابه: أفتش عن محفظة نقودي.

سأله مجددًا: وأين أضعتها؟

أشار إليه بيده وقال: هناك!

سأله: إذا كنت أضعتها هناك، فلماذا تفتش هنا؟

أجابه: لأن هناك عتمة وهنا ضوء، وأريد أن أفتش في الضوء وليس في العتمة.

***

مؤسفٌ، هذا هو حال حكومتنا في التفتيش عن إيرادات لتمويل ​الموازنة​! لا تفتش في المكان الذي "ضاعت فيه" المليارات (وهي مخبَّأة في العتمة) بل "تستسهل" التفتيش في الضوء حيث لا مليارات بل أقصى ما ستجده هو جيوب الطبقات الفقيرة والمتوسطة.

لا يا حكومتنا، ما هكذا يكون "التفتيش"! تريدين إيرادات؟ فتِّشي في "العتمة" حيث تُخبَّأ المليارات.

***

مشكورةٌ الحكومة لأنها باشرت درس الموازنة ولأنها ستحيلها إلى مجلس النواب في القريب العاجل، وكل ما تقوم به هو "محاولة" تقشف وليس تقشفًا حقيقيًا:

1- أرادت ان تتقشف في معاشات التقاعد وتعويضات نهاية الخدمة، فنزل المتقاعدون إلى الشارع.

2- أرادت ان تتقشف في رواتب موظفي مصرف لبنان فاعتصم الموظفون وأقفلوا المصرف وأعلنوا إضرابًا مفتوحًا.

3- أرادت ان تتقشف في سلسلة الرتب والرواتب فلوَّح الأساتذة بالنزول إلى الشارع.

***

كل باب تفتحه الحكومة على نفسها، يُصار إلى إقفاله بقدرة قادر، وإذا ما استمر الوضع على هذا المنوال فإن الموازنة التي ستصدر ستكون مخيبة للآمال، ليس بالنسبة إلى اللبنانيين فقط بل بالنسبة إلى الدول والمؤسسات الراعية لمقررات مؤتمر سيدر.

إن كل محاولات التقشف الجارية لا تساوي في نتائجها استرداد اموال مهدورة في تلزيمٍ واحد:

الرسوم على الارقام المميزة للسيارات هل تساوي قيمتها قيمة عمولة في تلزيمٍ واحد؟ بدل التفتيش عن الرسوم للارقام المميزة، فتِّشوا عن استرداد العمولات الهائلة لتلزيمات مميزة.

هذه "التلزيمات المميزة" ليست ضائعة في العتمة بل جرى تنفيذها، وبكل وقاحة، في الضوء.

تريدون جردةً فيها؟ سوكلين، المطار، الأوتوسترادات، الأَنفاق، تاكسي المطار، السوق الحرة في المطار، المعاينة الميكانيكية، المرفأ.

تريدون أكثر: التهريب عبر المرافئ الشرعية والمعابر غير الشرعية. بين لبنان وسوريا أكثر من مئة معبر غير شرعي، الجميع يعرفون بها لكن لا أحد يحرِّك ساكنًا من أجل معالجتها.

***

ما زالت الموازنة على الطاولة، لا تُقفلوا ملفها قبل إدخال ما يجب من أموال التهريب والهدر والفساد إليها، إذا لم تفعلوا، وواصلتم التفتيش في الأمكنة الخطأ، فعندها لا يسعنا سوى القول: كل موازنة وأنتم بخير، وألف سلام على مقررات سيدر.