الشراكة في الحكم والوفاق الوطني عنوانان أساسيان لأهداف النظام السياسي القائم على مبادئ وأسس ما سُمّي في ​العالم​ بالديمقراطية التوافقية.

وضع باحثون اجتماعيون وسياسيون عالميون أهمهم آرندت ليبهارت مبادئ هذا النظام، الذي يعتبر بنظرهم عماد الاستقرار في الدول ذات التعددية المجتمعية والطائفية. انتشر تطبيقه في تسعينيات القرن الماضي في بعض الدول الأوروبية والاسيوية والافريقية واميركا اللاتينية.

اعتُبرت الديمقراطية التوافقية وجه حديث للديمقراطية التي تطورت من المباشرة الى الأكثرية فالتوافقية وأرضية لتطبيق انواع من الفدراليات.

طبعاً ​النسبية​ هي ركيزة أساسية للوصول الى حكم قائم على الديمقراطية التوافقية.

وقع بعض الساسة ال​لبنان​يين في هذا الفخ الذي نعتبره جبهة ساقطة محليا بوجه خطة تقسيم لبنان .

كيف؟

أولاً-تحت وزر التهويل بانهيارات اقتصادية ومجتمعية وخطر تشنجات وقتالات أهلية وعدوى ​الثورات العربية​ وتحت اتهامات طالت فريقا دون اخر بالاستئثار بالسلطة، تبنى ساسة لبنان بالاجماع وبمواكبة إعلامية ومجتمعية مدنية كبيرة فكرة النسبية في النظام البرلماني، لإشراك جميع فرقاء الوطن بالسلطة، فبدأت المطالبة بسن قانون انتخاب يعتمد القاعدة النسبية وضرورة ردم ​قانون الانتخاب​ القائم على القاعدة الأكثرية. فمواكبة التطور العالمي للديمقراطيات واجب على الدولة.

هذا من حيث المبدأ.

ثانياً-تنافس الساسة اللبنانيون الذين تحولوا الى توافقيين على تقديم نماذج قوانين انتخاب نسبية، فتم إقرار قانون انتخاب غريب عجيب لا يمت الى النسبية العالمية بصلة، فجرت ​الانتخابات النيابية​ لدورة ٢٠١٨ سندا له وأنتجت ما أنتجت.

فتبيّن ان شللا نصفيا أصاب الديمقراطية في لبنان ما فتح الباب واسعا لتوجيه اتهامات دولية إضافية لفئات سياسية دون أخرى في لبنان وتم علنا الكلام عن اتهامات بالقمع والتزوير و البطش تبنته أيضا جهات محلية لمكاسب سياسية.

ثالثا-انتقل تطبيق مبدأ الديمقراطية التوافقية من السلطة التشريعية الى التنفيذية فتم الإصرار على تشكيل حكومة وفاق وطني.

ربما هذا ما حصل. ولكن، معظم القرارات المفصلية شبه معطّلة نتيجة عدم التوافق عليها بدءا من ​الموازنة​ العامة الى السياسات الاقتصادية والمالية والنقدية وغيرها. وهذا ليس بغريب على التوافقية التي تركت في دول عدّة نتائج سلبية، أهمها انها اثبتت عجزها في مواكبة التطوّر والإنماء بالسرعة المفروضة لازدهار الدول.

نحن في لبنان امام اخطار عدّة نتيجة النظام السياسي التوافقي: الانهيار الاقتصادي، الافلاس، الانقسامات الاجتماعية الحادة، الهوّة المتزايدة بين الحكم والشعب، الفدرالية المقنّعة التي نتجت عن التقسيم سواء التوافقي أو الطائفي... الخ.

يخطئ من يعتقد ان الديمقراطية التوافقية في لبنان حققت الاستقرار الأمني. الوعي بعدم الانجرار الى الفتنة هو الذي حقق هذا الاستقرار. والحقيقة للتاريخ. ولئن كان هذا الوعي لدى فرقاء دون غيرهم.

فإذا كان لبنان في خطر، الإنقاذ واجب بدءا من تغيير النظام السياسي.

الديمقراطية التوافقية أثبتت فشلها لانها أشركت في الحكم من هو غير أهل له وعطّلت نمو الدولة نتيجة حسابات حزبية وطائفية ضيقة. في مظلة الاستقرار الأمني خَرُب الأمن الاقتصادي والأمن المالي والأمن النفطي والأمن المؤسساتي الخ... فالشعب على حافة الثورة التي أراد اصحاب الحكم اجتنابها...

البحث عن نظام سياسي بديل بات واجبا. الديمقراطية الاندماجيّة احدى الحلول الموقتة، النسبية المطلقة هي احدى ركائزها. تبدأ بقانون انتخاب يعتمد القاعدة النسبيّة المطلقة وبانتخاب رئيس جمهورية من خارج الاصطفافات الحزبيّة وبتشريعات حديثة تنمّي القطاعين العام والخاص وتضمن حقوق الناس.

الدولة الديمقراطية الاندماجيّة تلغي أي مشروع لدولة بوليسيّة او لنظام رئاسي وتحجم مكامن الفساد.

لم تعد الديمقراطية التوافقيّة نظاما سياسيًّا حديثا في علم السياسة والاجتماع لا بل هي موضع انتقادات علميّة كبيرة تؤكد ان مخاطرها شديدة.

ليست الديمقراطية الاندماجيّة الحل الأمثل، لكنها خطوة نحو الامام باتجاه نظام ديمقراطي حديث يقوم على دستور عادل و نهج استراتيجيات لإدارة السلطة وصنع السياسات العامة.

السلطة في لبنان بحاجة لترشيد وارتقاء، وإلا لبنان الى القعر، ففي بلادنا من يجهل قراءة المتغيّرات والاسوأ من يتجاهل وجودها.

الديمقراطية التوافقية خراب جماعي، فتنبّهوا!