هنأ البطريك المارني ​بشارة الراعي​ ​الرهبانية اللبنانية المارونية​ الجليلة و​جامعة الروح القدس​ على إنشاء معهد الليتورجيا الذي خلق ذهنية جديدة في كنيستنا المارونية، وبزغ معه ربيع الإصلاح الطقسي فيها، غداة انعقاد المجمع المسكوني الفاتيكاني الثاني. فشكل هذا المعهد مدرسة للتعمق في مختلف الطقوس الشرقية ومقارنتها وإبراز أصالتها؛ كما شكل مركزا للأبحاث العلمية، وشرع أبوابه للكهنة والرهبان والراهبات والعلمانيين من مختلف الكنائس والأبرشيات والرهبانيات. فتخرجوا منه بشهادات عليا. لقد اقترن إسم هذا المعهد بإسم مؤسسه، قدس الأباتي يوحنا تابت، الذي كرس نفسه فيه، بفضائله وعلمه واختصاصه، لخدمة الكنيسة على مدى خمسين سنة توزعت ما بين مدير وعضو في المجلس وأستاذ. ولا أنسى أيام لقاءاتنا في روما في أواخر الستينات عندما كان يهيئ الدكتوراه في العلوم الليتورجية في المعهد الحبري الشرقي. فكنت أرى فيه الراهب الملتزم والجاد في البحث والتنقيب بكثير من العطش والحماس. ومن حينها كان له في قلبي تقدير كبير ومحبة. وفور عودته إلى لبنان أسس سنة 1969 معهد الليتورجيا".

وخلال المؤتمر الدولي حول "التراث السرياني الشعري - الموسيقي "رِيشَي قُلِا" - "بِيتْ غَز نظمته جامعة الروح القدس - ​الكسليك​ بمناسبة اليوبيل الذهبي لتأسيس معهد الليتورجيا، اشار الى انه "نتاج هذا المعهد على مر السنين عظيما بالمنشورات التي أصدرها. وهي تتضمن فروض السنة الطقسية والمتعيدات والرتب الطقسية ومحاضرات ومؤتمرات وأبحاثا ليتورجية، ومصادر ونصوصا يفوق مجموعها المئة. إنه كنز كبير يغني روحانية ​الكنيسة المارونية​، ويحدد هويتها، ويفتح آفاق رسالتها. بفضل هذا النتاج الواسع والأصيل تمكنت اللجنة البطريركية للشؤون الطقسية من الانطلاق في عملية الإصلاح الطقسي الذي شمل القداس، وخدمة الأسرار، وصلوات المرافقة (الجنازات)، وسواها مما هي منكبة على إصلاحه، وفي طليعتها صلوات الساعات، وكتاب الروبريكات. فلولا أعمال معهد الليتورجيا في جامعة الروح القدس، لما كان بالإمكان تحقيق الإصلاح الذي وحد الرباط بين الكنيسة الأم في لبنان وأبرشيات الانتشار والرسالات. وهكذا أصبحت جامعة الروح القدس قبلة الأنظار والإنتظارات، بفضل تطلعات السلطة العامة في الرهبانية الجليلة، وتخطيط الرؤساء الذين تعاقبوا على الجامعة، وإدارات كل من معهد الليتورجيا، وكلية العلوم الدينية والمشرقية، منظمة هذا المؤتمر".

واعتبر أن "الليتورجيا ليست مجرد ممارسات طقسية، بل هي حاجة لحياة كل إنسان. فالمشاركة في أسرارها تغذي النفس وتحملها على الاتحاد بالله والوحدة مع الآخرين، وعلى التعبير بالمسلك والأفعال عما تعلمته بالإيمان. والليتورجيا وسيلة رفيعة لتربية كل إنسان، لأن فيها يكلم الله قلبه، والمسيح يعلن له إنجيله، والشعب يجيب بالأناشيد والصلوات. وهكذا تكون الليتورجيا الينبوع الأول والضروري الذي منه يكتسب الكهنة والرهبان والراهبات والعلمانيون الروح المسيحية الحقة، على المستوى العقائدي والأخلاقي والراعوي. هذه الروح ضرورية في الحياة العائلية والكنسية والاجتماعية والوطنية. هذا ما هدف إليه وحققه معهد الليتورجيا في جامعة الروح القدس - الكسليك، على مدى خمسين عاما، كان فيها قدس الأباتي يوحنا تابت المحرك الأساس والربان الحكيم في تعليمه واحتفاله وشهادة حياته وعمله الدؤوب في الليل والنهار، وفي مقالاته ومحاضراته وكتبه وإصداراته ومنشوراته. فقال فيه المرحوم الأباتي عمانوئيل خوري، رفيق دربه منذ البداية وحتى وفاته المبكرة والمؤلمة على قلوب الجميع: "هذا ما جعل كتبه ومقالاته وغيرها الأقرب إلى الحقيقة، والاحتفالات التي يرعاها أو يرئسها الأقرب إلى كمال الاحتفال، والكتب الطقسية التي أعدها ويعدها الأقرب إلى الأصول العلمية والطقسية والراعوية".

وتوجه الأباتي تابت: "شكرا لك من القلب بإسم كنيستنا المارونية، بل بإسم جميع كنائسنا المشرقية على هذا الإنجاز الكبير الذي كرست له حياتك، إيمانك وقلبك وعلمك ورؤيتك النبوية. أطال الله بعمرك مع المزيد من النعم، وبارك معهد الليتورجيا والقيمين عليه، وجعله زاهرا ومثمرا حسب رغبات قلبك الكبير. والشكر للرهبانية اللبنانية المارونية الجليلة، ولجامعة الروح القدس - الكسليك، راجين من الله أن تظلا منارة قداسة وعلم، وقبلة الأنظار والانتظارات، لمجد الله وإعلاء شأن الكنيسة وإشعاعها الدائم من لبنان".

بعد ذلك، كانت كلمة رئيس جامعة الروح القدس - الكسليك الأب البروفسور جورج حبيقة اشار الى ان "جميعنا يعرف جيدا أن كلمة ليتورجيا الوافدة إلينا من لغة الإغريق، Leitos إي الشعب، وErgon أي عمل أو خدمة الشعب، تغطي بمعانيها الواسعة جميع طقوسيات يومياتنا، حتى تصل إلى تمام مضامينها في خدمة الجماعة المصلية لاحتفالية اللقاء مع الله واستضافته في قلوبها المتوسلة. ليس ما يوازي العمل الليتورجي مهابة ومسؤولية، ابتداء بالكلمة والموسيقى، مرورا بالرموز والحركة وانتهاء بالخشوع والارتقاء. كل ما نتلقنه في اللاهوت ونتذهنه باهتمام وجوع ومشقة وصبر، نعيشه بفرح ودهشة وانخطاف في الليتورجيا".