كلّما زادت الضغوط الأميركية على الجمهورية الإسلامية ال​إيران​ية، يعني أن التفاوض صار أكثر واقعية. لم تنقطع خطوط التواصل غير المباشرة بين واشنطن وطهران عبر وسطاء تطوّعوا للقيام بمهمة تاريخية في تقريب المسافات بين الدولتين وكسر جليد الأزمات المتراكمة بينهما، لفرض إتّفاق التسوية السياسية الإيرانية-الأميركية. وإذا كانت المعلومات ضئيلة عن تفاوض قائم بالفعل، فإنه من غير المستبعد ان تُنتج الضغوط المتبادلة تسوية مختلفة عن الإتفاق النووي المتهالك.

وإذا كان شكل الزيارة السريعة لوزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو إلى ​العراق​ إتخذ طابع التحضير وتحذير إيران من مغبّة إستهداف مضيق هرمز، فإنّ في الخفايا محاولة عراقيّة لإنجاز تسوية يضع لها الفريقان شروطاً عالية.

لم يكن متوقّعاً أن يعقد الأميركيون والكوبيون صفقة سياسية، ولا يبدأ التفاوض الرئاسي المباشر بين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية. كلّه وارد في السياسات الدولية بحسب المصالح، وفي ظل إستبعاد الحروب العسكرية. لا يريد الرئيس الأميركي ​دونالد ترامب​ إفتعال تلك الحروب المكلفة، رغم التلويح بها. بل يريد أن يفرض شروطه من دون تكاليف مالية باهظة، لأن خطّته في إدارة ​البيت الأبيض​ قائمة على أساس التسويات المجّانية التي تعقب الحصارات والعقوبات الإقتصادية. هو يريد أن يُجبر الإيرانيين على رفع الرايات البيضاء، بعد إستسلامهم إقتصادياً، ولا ينوي لا تغيير النظام ولا إسقاط المنظومة الإيرانية.

يعتقد الأميركيون أن طهران لن تستطيع مقاومة التدابير المالية المفروضة عليها بقوّة الإجراءات الأميركية. رغم أن الإيرانيين مُكتفون ذاتياً في الزراعة والغذاء، ما يدحض الحديث الأميركي عن ثمار الحصار. ولذلك، يُقفل ترامب عدداً من الأبواب مع الإيرانيين، لكنه يفتح أبواب خلفية لإبقاء أمر التفاوض معهم قائماً عبر وسيط دولي.

فهل يكون التفاوض فقط حول الملف النووي وشروط سياسية في الجمهورية الإسلامية نفسها؟ لا يبدو أن الامر يقتصر عند هذا الحد، لأن ترامب قرّر وضع "صفقة القرن" على طاولة أي محادثات إقليمية. لم يقبل الفلسطينيون، ولا الدول المحيطة بفلسطين توقيع تلك الصفقة ولا تسهيل تنفيذها. وهم بالأساس لم يطّلعوا على تفاصيلها. لكن رغم ذلك يراهن ترامب على دعم الصفقة عربياً وإيرانياً وتنفيذها بسرعة. فالتركيز الأميركي يتم الآن حول ما جرى تسريبه:

1-توقيع اتفاق ثلاثي بين اسرائيل ومنظمة التحرير وحماس وتقام دولة فلسطينية يطلق عليها "فلسطين الجديدة" على اراضي الضفة الغربية وقطاع غزة من دون المستوطنات اليهودية القائمة.

2-ستكون القدس مشتركة بين ​إسرائيل​ و"فلسطين الجديدة"، وينقل السكان العرب ليصبحوا سكانا في فلسطين الجديدة.

ويمنع على الثانية ان يكون لها جيش والسلاح الوحيد المسموح به هو سلاح الأمن.

3-سيتم توقيع اتفاق بين إسرائيل و"فلسطين الجديدة" على ان تتولى الاولى الدفاع عن الثانية من اي عدوان خارجي، بشرط ان تدفع "فلسطين الجديدة" لإسرائيل ثمن دفاعها عنها.

ستكون إيران امام موقف صعب، وإن كانت تُظهر انحيازاَ شديداً للقضية الفلسطينية. فهي لا تتخلى عنها، لانها في صلب عقيدتها. فهل يعني ذلك ان الازمات ستبقى الى حين التسليم الإيراني للأميركيين بصفقة القرن؟ كل ما هو ظاهر يوحي ان إيران لن تتنازل عن ثوابت جوهرية عندها.