قام الرئيس التركي ​رجب طيب اردوغان​ بفعلته وتمكن، بحقّ او بغير حق، من اعادة اجراء ​الانتخابات​ في ​اسطنبول​ بعد ان خسرها وحزبه بنتيجة كبيرة. لم "يهضم" اردوغان النتيجة، وهو الذي كان يعوّل على الفوز باسطنبول والقى بثقله لتحقيق هذا الهدف، الا أنّ الشعب خذله في حينه، ولم يعطِهِ وممثليه الثقة لادارة هذه المدينة. اليوم، تقف هذه المدينة على ابواب استحقاق اعادة الانتخابات فيها، وهي تتجهز لمعركة انتخابية لا تشبه غيرها، لانّ اردوغان يعتبرها "ام المعارك" بالنسبة اليه، وخسارتها مرة خرى سيعني حتماً بداية سقوطه المدوّي في ​الحياة​ السياسيّة، وتمهيد لـ"انقلاب" عليه لن يأخذ هذه المرة طابعاً عسكرياً، بل سيكون سياسياً وشعبياً وسيكتب له النجاح. اما في حال فوز الرئيس التركي في الانتخابات المُعادة، فسيكون امام حملة تشكيك واسعة ستبدأ في اسطنبول ولن تنتهي عند الحدود التركيّة، لانّ القلق سيعمّ الدول الاوروبيّة حول النتائج ​الجديدة​، وما اذا حصل تلاعب في عمليّات الفرز واعلان النتائج ام لا.

هكذا هي حال اردوغان اليوم: الوقوف امام حلّين احلاهما مرّ، فالفوز فيما لو تحقق، سيكون بطعم الخسارة لانّ التشكيك بثقة مواطني اسطنبول به، سيكون كبيراً جداً، وسيضعه في قفص الاتهام محلياً ودولياً. اما الخسارة فستعطي الصورة المؤكدة ان لا استمراراية لارث اردوغان السياسي، وربما هذا ما دفع باثنين ممّن كانوا اقرب المقرّبين للرئيس التركي الحالي، الى انتقادهما قرار اعادة اجراء الانتخابات. ويجدر التوقف عند ما قاله كل من رئيس الوزراء السابق احمد داود اوغلو والرئيس التركي السابق ​عبد الله غول​ حول هذه المسألة، وكيفيّة وصفهما لما تم اقراره، وكأنهما يشكّكان ب​القضاء​ التركي من جهة، وبرغبة اردوغان في كسب شعبيّة ولو بالقوّة للاستمرار في تنفيذ سياساته ومخططاته التي وضعها. هذا الكلام يعبّر بشكل جدّي عن المشاعر التي تعتري الاتراك بشكل عام، وعن اهتزاز الصورة التي وضعها اردوغان لنفسه منذ ما قبل وصوله الى سدّة الرئاسة، حيث كان يعتمد على الشعب الذي وقف الى جانبه مراراً وتكراراً في السابق، حتى انّه ساهم بشكل اساسي في احباط عمليّة الانقلاب العسكري التي كادت ان تنجح. واذا لم يعد امام الرئيس التركي أيّ مرجع يلجأ اليه، فما الذي سيستطيع القيام به؟ صحيح أنّه لا يزال يتمتّع بنسبة معيّنة من المؤيّدين والمناصرين كما ثبت في نتائج الانتخابات، ولكنه صحيح ايضاً ان هذه النسبة تتآكل وتتضاءل يوماً بعد يوم، ومع مرور الوقت ستكون قد وصلت الى درجات دنيا لا يمكن الاعتماد عليها لاحداث تغييرات او تحقيق مشاريع.

قد يلجأ اردوغان الى التهويل مجدداً، والى اعتماد ​سياسة​ "التخويف" ممّا سيحصل في حال خسر الانتخابات، ولكن عليه انْ يعيد حساباته في هذا المجال، لانّ استراتيجيّته هذه لم تنجح قبل اسابيع قليلة، فما الذي سيجعلها تنجح هذه المرة؟ والترقّب سيكون حول نوعية الاشخاص الذين سيرشحهم حزب الرئاسة "​العدالة والتنمية​" بعد ان وضع سابقاً ابرز الوجوه واكثرها قرباً ودعماً من اردوغان، وما اذا كانت ستتميّز بقربها من الناس ام من الرئيس، وقدرتها على قلب النتائج، علماً ان ناخبي المعارضة سيشتد ازرهم لاثبات انفسهم وتخطي مشاعر الحزن والغدر التي يشعرون بها والتي ستجعلهم اكثر اصراراً على الفوز، لاثبات انفسهم ووقوفهم في وجه الرئيس التركي و"تعقيد" الامور عليه انطلاقاً من بلدية اسطنبول.

الاستعدادات بدأت والمعركة حامية ومصير الرئيس التركي السياسي على المحك، ولكن اياً تكن النتيجة، فسيكون اردوغان خاسراً ولن يعود قوياً كما كان يتوقّع.