حين خرج الدخان الابيض من ​قصر بعبدا​ معلناً ولادة الحكومة التي قال عنها رئيس الجمهورية العماد ​ميشال عون​ سابقا انها ستكون الحكومة الاولى للعهد، أفسد وزير الخارجية ورئيس ​التيار الوطني الحر​ ​جبران باسيل​ فرحة العديد من الوزراء الذين عيّنهم التيار، فهو مع الولادة الميمونة حدّد فترة زمنيّة لهؤلاء الوزراء مدّتها 100 يوم فقط، فإما ان يكونوا قد باتوا اساسيين في عملها ولا يستغنى عنهم في وزاراتهم، واما ستقبل الاستقالة التي وضعوها في تصرفه ويصبحون بالتالي "وزراء سابقين".

اليوم، دقّت ساعة الحسم، وباتت الـ100 يوم في انتظار جمع استحقاقها، ويترقب الجميع ما الذي سيقوله باسيل خلال الايام المقبلة في هذا السياق، ومعرفة هويّة الذي سيبقى متنعماً بنعيم الحكومة حتى اشعار آخر. لا شك انّ القضيّة حرجة ومحرجة، فهي حرجة لانه بات على باسيل ان يقرن اقواله بالافعال وان يعلن اسماء اشخاص من التيار او ممن عيّنهم التيار وزراء ليكونوا خارج الحكومة، وهي محرجة ايضاً بالنسبة الى الذين ستتم تسميتهم، اذ ليس من السهل ان يظهر هؤلاء امام الرأي العام وكأنّهم فشلوا في القيام بالمهام المطلوبة منهم.

من هنا، يمكن القول ان المسألة دقيقة وصعبة في آن، فمن ناحية الواقع، لا يمكن بعد ان يتم الاستغناء عن أيّ وزير (في حال كان سيتم ذلك بالفعل)، لان ​الموازنة​ لا تزال تدرس على طاولة ​مجلس الوزراء​ وهناك حاجة الى الوزراء لتزويد رئيس الحكومة ​سعد الحريري​ بالحجج اللازمة للرد على أيّ اسئلة او استفهامات سيتم طرحها في مجلس النواب قبل اعلان النواب موقفهم من الموازنة. ناهيك عن ان هذه الموازنة ليست كمثيلاتها، فهي- بحسب ما تم التبشير به- ستكون باكورة موازنات حديثة تتبع نظام التقشّف وعصر النفقات، وتطبيقها سيكون محط ترقّب واهتمام على الصعد المحليّة والاقليميّة والدوليّة، ولن يكون من السهل على شخص ان يتسلّم مهامه كوزير جديد (ايًّا تكن وزارته) وان تكون بداية عمله تنفيذ سياسة التقشّف التي حدّدها سلفه وان يتحمّل بالتالي تبعات هذه السياسة دون ان يكون له رأي في الموضوع، وهي مسألة دقيقة ولا يحتمل الكثيرون القيام بها لانها تعني انّهم مجرد مراقبون وليسوا وزراء فعليين.

اضافة الى ذلك، سيكون من السيّء بالنسبة الى الاحزاب والتيارات الاخرى ان ينفذ رئيس الوطني الحر كلامه، لأنّه سيكون من الغريب ان يكون التيار وحده فقط بين الاحزاب والتّيارات الاخرى من يطبّق هذه السياسة، ما سيشكّل نقطة قوّة له ونقطة ضعف للآخرين، وسيتساءل مؤيدو هذه الاحزاب والتّيارات عن السبب الذي يمنع المسؤولين فيها عن اتخاذ قرارات مماثلة وابعاد من لم يكن على قدر المسؤولية واعطاء الفرصة لغيره.

من ناحية اخرى، سيكون من الصعب على أيّ وزير متابعة حياته السياسيّة خارج الحكومة، لأنّه سيتم تعييره في كل مناسبة او في أيّ ظرف، بأنّه لم يكن قادراً على تحمّل المسؤوليّة، ولهذا السبب تمّت اقالته وبالتالي فهو ليس اهلاً لتسلم أيّ مسؤوليّة عامة، وستكون هذه الذريعة كافية لانهاء دوره السيّاسي او على الاقل التشكيك به الى حدّ "تهميشه" سياسياً من قبل الرأي العام. وبناء على هذا الامر، يتوقّع الكثيرون أنْ يجد باسيل المخرج الملائم، عبر ايجاد المعطيات اللازمة لاظهار ان الوزراء الذين عيّنهم التيار الوطني الحر في الحكومة، قاموا بدورهم على قدر الامكانات المتوافرة، وهم سيتابعون عملهم في المرحلة اللاحقة عبر تنفيذ خطط التقشّف والخطّة الاقتصاديّة الموضوعة، وقد يكون من الممكن ايضاً تحديد مهلة جديدة تكون فرصة لهؤلاء الوزراء للبدء باتّباع نهج الاعلان عن الانجازات التي تحقّقت، حتى ولو كانت خجولة في انتظار قطف الثمار الناضجة بشكل عام.

ربما هذا السيناريو هو الاقرب الى الواقع في هذه الظروف، وقد يكون المخرج الملائم لحفظ ماء الوجه للجميع، وتبقى الكلمة الفل لما سيقوله باسيل في الايام القليلة المقبلة.