لم تكن الكلمة التي القاها ​رئيس الجمهورية​ العماد ​ميشال عون​ في حفل الافطار الذي اقامه امس في ​قصر بعبدا​، دينية او هامشية، بل حملت نداء واضحاً وتحذيراً سبقه اليه العديد من المسؤولين في الدولة. تقصّد عون على ما يبدو توجيه رسالته هذه في حفل الافطار كونه يضمّ، تقليدياً، خليطاً من الشخصيات الرسمية وغير الرسمية، اضافة الى ال​لبنان​يين جميعاً. في رسالته، كان النداء موجهاً بشكل اساسي للحكومة والمواطن، فيما كان التحذير للمواطنين اكثر منه للمسؤولين.

النداء لم يخل من مناشدة عاطفية تم خلالها استذكار المراحل الاولى للعلاقة التي ربطت العماد ميشال عون (في حينه) باللبنانيين حين اطلق عليهم لقب "شعب لبنان العظيم"، ورأى الكثيرون انها مقصودة لاعادة صورته القديمة في اذهان المواطنين من انه الشخص الذي يسعى الى تحقيق اهدافه مهما كان الثمن. ففي حين دعا ​الحكومة​ الى اعادة ثقة اللبنانيين بالدولة، محمّلاً اياها مسؤولية اساسية في الاصلاح والتغيير، طلب من المواطنين بطريقة غير مباشرة، اعادة الثقة به كونه سيراقب ويعمل على تفعيل ​مكافحة الفساد​ والهدر. هذه الدعوة دونها عقبات كثيرة، لانّ الخطوات الايجابيّة التي تحقّقت في عهد عون، كانت اقل مما توقعه الناس، لانّ الآمال الكبيرة كانت معلّقة عليه لتنظيم الكثير في وقت قليل. صحيح ان المشاكل فرضت نفسها على رئيس الجمهورية، ولكنه صحيح ايضاً ان قسماً كبيراً من اللبنانيين ينظر اليه نظرة مختلفة كلياً عن باقي المسؤولين، لذلك كانت الآمال كبيرة جداً في احداث تغيير جذري خلال النصف الاول من العهد.

اليوم، يطلب عون من اللبنانيين الثقة والمساعدة، ومن الحكومة العمل، ومن باقي المسؤولين التعاون، ولكن هل هذا النداء سيكون كافياً؟ من المؤكد انه راود رئيس الجمهورية شك في هذا المجال، لذلك اتبع نداءه بتحذير من ان البديل سيكون فرض التدابير من قبل ​المجتمع الدولي​ والدول الخارجية، والتي بطبيعة الحال ستلاحق مصالحها وليس مصلحة لبنان، وسيتحول هذا البلد بالتالي الى "تابع" لدول كثيرة ولن تكون مرجعيته واحدة. هذا التحذير حقيقي وواقعي، ولكن هل سيفعل فعله؟ فاللبنانيّون اعتادوا ان يتدخل الجميع في شؤونهم، حتى انهم اعتادوا ايضاً انّ يوجه المسؤولون "دعوات" للاطراف الخارجيّة للتدخّل في الشؤون اللبنانيّة، وقد عانوا الامرّين من هذا النمط لعقود من الزمن، فما الذي سيغيّر نظرتهم اليوم؟.

يعتقد متابعون للاوضاع اللبنانية ان الرهان سيكون على الامتار الاولى من مسيرة النهوض الاقتصادي، اي تحديداً ​الموازنة​ والقدرة على تنفيذ بنودها ومضمونها، اضافة الى البدء بالمشاريع الاساسية ك​الكهرباء​ و​البنى التحتية​ وغيرها... وسيكون للاشهر الاولى من هذه المسيرة تأثير مفصلي وحاسم بالنسبة الى اللبنانيين، فإما يروا ان المسالة اخذت منحى جدياً ومغايراً تماماً لما كان يتم في السابق، فيعودون الى ربوع الثقة بالدولة شيئاً فشيئاً، وإما ان يجدوا ان الامر لا يتعلق سوى بفترة مرحليّة احتاج اليها لبنان لتمرير الوقت وكسب بعض التعاطف الدولي قبل ان تعود الاوضاع الى ما كانت عليه.

مفتاح كلمة عون اساسه "الثقة"، ثقة المواطن بالدولة وثقته بالمسؤولين وثقة ​العالم​ بلبنان، ولكن الوضع صعب والتجارب السابقة لا توحي بالنجاح في هذا الاطار، لذلك يبدو رهان عون كبيراً وقد وضع نفسه في الخطوط الاولى للمواجهة، ولا بديل له عن كسب هذا الرهان لانّ الخيار الآخر سيكون فشلاً له ولعهده وهو امر لا يمكن التعاطي معه باستخفاف، خصوصاً بالنسبة الى رجل اعطى كل ما لديه من اجل ابقاء صورته على حالها في اذهان اللبنانيين، وان يكون اول رئيس يحقّق تغييراً حقيقياً في الذهنيّة اللبنانيّة.