"إما الضاهر وإما الفوضى"...

عمرُ هذه الجملة ثلاثون عامًا وثمانية أشهر، قالها الموفد الأميركي ​ريتشارد مورفي​ للزعماء ال​لبنان​يين في أيلول من العام 1988 عشية انتهاء ولاية الرئيس ​أمين الجميل​، وكان الخلاف على أشده في انتخاب خلف له، فخيَّرهم الموفد الأميركي بين المرشح النائب ​مخايل الضاهر​ وبين الفوضى، باعتبار ان لا إمكانية لانتخاب غيره... وهذا ما حصل. ويتذكَّر المخضرمون أن مورفي استخدم المصطلح بالإنكليزية وهو chaos للتدليل على الفوضى.

***

اليوم ، وفي ظل التعثر المتمادي للحكومة اللبنانية في إيجاد توازن في ​الموازنة​ بين النفقات والإيرادات، في ظل ​العجز​ عن إيجاد التمويل، فإن اللبناني يستعير ما قاله مورفي منذ ثلث قرن ، ولكن مع بعض التعديل ، لتصبح الجملة أو "كلمة السر":

"إما ال​ريتز كارلتون​ وإما الفوضى أو الـchaos ".

لماذا هذا الخيار؟

لأنه "بالمليح" لن يتجاوب أحد.

هل كان لأحد أن يتجاوب في ​المملكة العربية السعودية​ لو أن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان MBS أخذ الأمور "بالمليح" أو بالحُسنى؟ ما كان لأحد أن يتجاوب، ولبقيت الأمور على ما هي عليه، ومع ذلك، وحين بدأت عملية "الريتز كارلتون"، بدأ التهويل في المملكة وعلى المملكة ان الشركات ستغادر وان الاستثمارات ستتوقف وان مؤسسات النقد الدولية، والشفافية الدولية ستضع ملاحظات سلبية على أداء المملكة.

***

أي شيء من كل هذا التهويل لم يحصل، "عملية الريتز كارلتون" استغرقت ما يقارب المئة يوم، في هذه الفترة كانت المملكة في اوضاع عادية: المؤسسات تعمل، الاستثمارات تتوسع، وعند انتهاء العملية "عاد" إلى خزينة المملكة ما يقارب المئة

والخمسين مليار ​دولار​، ومنذ تلك العملية والشفافية هي السائدة في المملكة، فبعد "الريتز كارلتون" ليس كما قبله على الإطلاق.

***

قد يُقال ان لبنان لا يحتمل ان تجري فيه عملية مشابهة لعملية الريتز كارلتون بسبب خصوصيته وبسبب الاعتبارات الطائفية والمذهبية وبسبب الـ6 و6 مكرر، لكن مهلًا: هل للفساد مذهب أو طائفة؟ هل للإختلاس اعتبارات طائفية؟ حين اختلس مسيحيٌ أو مسلم، هل اختلس باسمِ طائفته أو من أجل طائفته؟

كفى احتماءً بالدين والطائفة والمذهب!

هذا الذي اشترى اليخوت والقصور و​الفنادق​ والعمارات، هل وضعها باسم هذه الطائفة أو تلك أو باسمه الشخصي أو اسم زوجته أو أسماء أولاده؟ هذا يحتمي بالطائفة لكن المردود له.

حين يقتنع الزعماء والمسؤولون بهذه الحقائق، تكون رحلة الالف ميل في اتجاه "ريتز كارلتون اللبناني" قد بدأت، فكما ما ضاع حق وراءه مطالِب، كذلك ما ضاع قرش مسروق، هدرًا واختلاسًا، وراءه مُحاسِب.

لا تستخفوا بما يمكن فعله... لا تجعلوا الفاسدين يرتاحون!

فحين يسمعون ان لا إمكانية لعملية "ريتز كارلتون" في لبنان، فعندها سيُمعنون في هدرهم وفي فسادهم، فالمجرم يتمادى في الجريمة حين لا يكون هناك عقاب، فعلى الأقل يجب ان يبقى السيف مصلتاً فوق رؤوس هؤلاء الفاسدين حتى لو لم يكن الحساب اليوم.

***

ليتعظوا من "يوم الحساب" في غير دول:

مَن كان يتوقَّع ان تشهد المملكة العربية السعودية ما شهدته في عملية "الريتز كارلتون".

مَن كان يتوقَّع ان تبدأ في ​الجزائر​ عملية تعقب الفاسدين وتوقيف الرؤوس الكبيرة؟

مَن كان يتوقع ان تبدأ عمليات المحاسبة في ​السودان​ بعد خلع البشير؟

تذكروا دائمًا: "يوم الحساب آتٍ".

ولن تعاد للوطن عافيته الا بإسترجاع المال المنهوب الذي نراه بأم العين والمخفي منه في بنوك ​سويسرا​ كما يتردد.

فالبلد صغير والكل يعرف الكل، ويعرف كيف كانوا وكيف أصبحوا.