لم يكن إنتخاب العماد ​ميشال عون​ رئيسًا للجمهوريّة، بعد فراغ في منصب الرئاسة إستمرّ لأكثر من سنتين ونصف السنة، حدثًا عاديًا. ولم يكن الوُصول إلى قانون جديد للإنتخابات، وتاليًا إلى مجلس نيابي جديد، بعد تمديد فترة حُكم المجلس السابق لولايتين مُتتاليتين، بالحدث العادي أيضًا. ولم تكن "التسوية الرئاسيّة" التي طوت صفحة الإنقسام السياسي العَمودي في ​لبنان​، وأسفرت عن إنتظام عمل مؤسّسات الدَولة من جديد، بعد فترة شلل طويلة، حدثًا عاديًا بدورها... لكن وعلى الرغم من كل هذه التطوّرات الإيجابيّة، لم تأت الإنجازات بقدر الآمال المَعقودة. فما هي الأسباب؟.

لعلّ إنتقال لبنان من مُشكلة إلى مُشكلة أخرى هو السبب الرئيس والمُباشر للإنجازات المُتواضعة التي تحقّقت بعد إنقضاء سنتين ونصف السنة على إنتخاب العماد عون رئيسًا في 31 تشرين الأوّل 2016، وبعد إنقضاء أكثر من سنة على إنتخاب أعضاء مجلس النوّاب الحالي في 6 أيّار 2018، وبعد إنقضاء أكثر من مئة يوم على تشكيل حُكومة "إلى العمل" الحالية.

فحُكومة العهد الثانية فعليًا، وحكومة العهد الأولى-كما إصطلح على تسميتها من الناحية السياسيّة النظريّة، بقيت على إنقساماتها الداخليّة، بحيث أنّها لا تعمل وفق منظومة جَماعيّة ومُوحّدة، بحيث تكسب أو تخسر كفريق واحد، بل تعمل بشكل مقسوم إلى أحزاب وطوائف متنافسة بعضها مع بعض، ويُحاول كل فريق وزاري فيها الإستحواذ على أكبر قدر مُمكن من المناصب الإدارية، وعلى أكبر قدر مُمكن من المشاريع والأموال لوزاراته، بالتزامن مع عرقلة جُهود الآخرين المُماثلة!.

ومن بين أبرز العراقيل التي تؤثّر سلبًا على العمل الحُكومي، إضافة إلى غياب التضامن الحُكومي بطبيعة الحال، العجز المَوروث منذ عُقود في ميزانيّة الدولة، بحيث أنّ الأموال المُتوفّرة لميزانيّات مُختلف الوزارات، بالكاد تكفي لدفع الرواتب ولتسديد مصاريف الخدمات الأساسيّة، من دون السماح بتنفيذ مشاريع مُستقبليّة واعدة وتغييريّة. وهذه المُشكلة المُزمنة إنعكست على مُوازنة الدولة، بحيث تفاقمت المشاكل، وزادت خيبات الأمل لدى فئات واسعة من الموظّفين والعاملين الحاليّين والمُتقاعدين، بسبب إجراءات التقشّف.

وإذا كان ملفّ الكهرباء شكّل إستثناء إيجابيًا في العمل الحُكومي في المرحلة الأخيرة، وخطى أولى خطواته نحو المُعالجة الجذريّة، فإنّ النتائج الإيجابيّة غير مُرشّحة للظُهور في المُستقبل القريب، لأنّ الأمور تحتاج لسنوات عدّة للتبلور، وهذه الفترة الإنتقاليّة ستشهد إستمرارًا–ولوّ جزئيًا، للعجز المالي لصالح مؤسّسة ​كهرباء لبنان​، وفترات إنقطاع دَوريّة لطاقة التيّار الكهربائي.

وبالنسبة إلى ملفّ النازحين السوريّين الذي يُثقل الكاهل اللبناني منذ العام 2011 حتى تاريخه، فإنّ مُحاولات دفعه إلى الأمام، جُوبهت بضُغوط خارجيّة تربط هذا الملفّ بالحلّ النهائي للوضع السُوري، وتشترط مكاسب سياسيّة لفتح باب تمويل عودة هؤلاء، علمًا أنّ الخلافات الداخليّة على الآليّات التنفيذية لعودة النازحين إلى بلادهم، لا تزال قائمة.

وحتى ملفّ اللاجئين الفلسطينيّين المُزمن، والذي كان السبب الرئيس وراء إندلاع الحرب في لبنان في العام 1975، فهو لا يعد خيرًا حتى هذه اللحظة، خاصة وأنّ ما يتردّد عن مُحاولة أميركيّة مُرتقبة لتمرير تسوية للصراع الفلسطيني–الإسرائيلي تحت ستار "​صفقة القرن​"، لا تُبشّر سوى بمزيد من المشاكل، خاصة وأنّ لا حديث عن عودة أي لاجئ فلسطيني إلى أرضه، بل عن توطين في أماكن تواجدهم.

وبالإنتقال إلى ملفّ إستخراج النفط والغاز من المياه الإقليميّة والدَوليّة، وعلى الرغم من إتخاذ السُلطات المعنيّة في لبنان سلسلة من الإجراءات التي وضعت هذا الملفّ على السّكّة الصحيحة، فإنّ طبيعة الأعمال تستوجب سنوات من العمل التحضيري، قبل المُباشرة الفعليّة في إستخراج النفط أو الغاز الصالح للتصدير التجاري الواسع. أكثر من ذلك، إنّ هذا الملفّ خاضع لإعتبارات ولتوازنات إقليميّة دَوليّة، وهناك مُحاولات دَوليّة جارية لوضع هذا الملفّ في خانة سياسيّة وليس إقتصادية بحت، بحيث يُصبح معها من المُستحيل السماح للبنان بتصدير نفطه وغازه، ما لم يُوافق على شروط خاصة بالحدود، وعلى إلتزامات وتعهّدات أمنيّة، تضعه في موقع حيادي كامل إزاء أي صراع إقليمي، وتحفظ إستقرار الساحة الجنوبيّة.

في الخُلاصة، لا شكّ أنّ المشاكل كثيرة وصعبة ومُتشعّبة، لكنّ هذا الواقع يعني أنّ الآمال الكبيرة التي راهن جزء كبير من اللبنانيّين عليها خلال السنوات القليلة الماضية، ستواصل رحلة التلاشي البطيء، إلا في حال حمل المُستقبل القريب مُفاجآت من العيار الثقيل تُبدّل هذه النظرة السوداويّة القائمة.