في الفترة السابقة، كثر الحديث عن إحتمال إنعكاس التوتر الأميركي-ال​إيران​ي على الساحة ال​لبنان​يّة، لا سيّما أنّ الضغوطات التي تمارسها واشنطن على طهران تتزامن مع أخرى تمارس على "​حزب الله​"، بعد الإعلان عن "مكافأة" ماليّة لمن يدلي بمعلومات، قد تساعد في إستهداف ما تصفه بشبكة تمويل الحزب.

التوقّعات على هذا الصعيد، إرتفعت بشكل لافت خلال زيارة وزير الخارجية الأميركية ​مايك بومبيو​ إلى بيروت، لا سيما بعد البيان الذي أدلى به من وزارة الخارجية والمغتربين، بالرغم من المعلومات، التي ضخّت في ذلك الحين، عن أن واشنطن لن تجد في لبنان من هو مستعد للدخول في أيّ مغامرة جديدة.

ضمن هذا السياق، يأتي ما نقل عن رسالة، غير مباشرة، عبر مساعد وزير الخارجية الأميركي ​ديفيد ساترفيلد​ إلى المسؤولين اللبنانيين، مفادها بأن بلاده ليست مهتمّة بالتصعيد مع إيران، لكن في المقابل هي ستتعامل مع أيّ تهديد لمصالحها، الأمر الذي ترى فيه مصادر سياسيّة مطلعة، عبر "​النشرة​"، رسالة طمأنة إلى بيروت، نظراً إلى المخاوف التي كان قد ارتفع منسوبها سابقاً، خصوصاً بعد أن كان أمين عام "حزب الله" ​السيد حسن نصرالله​ قد تحدّث عن أنّ أيّ إجراء يهدّد أي فصيل مقاوم في المنطقة لن يبقى دون ردّ، ولن يتمّ الاكتفاء بالإدانة والتنديد.

من وجهة نظر هذه المصادر، يبدو من المستبعد أن يكون لبنان احدى ساحات المواجهة الأميركيّة الإيرانيّة، في ظل الحرص المستمرّ من الجانبين للحفاظ على الإستقرار المحلّي، من دون تجاهل الرغبة الأوروبيّة التي تصب في الإتجاه نفسه في ظلّ تواجد ما يقارب المليون ونصف مليون نازح سوري على الأراضي اللبنانيّة، وتشير إلى أن الجانب الإسرائيلي، الذي سيكون المعني الأول في حال تفجر الأوضاع، ليس جاهزاً لخوض أيّ مواجهة جديدة مع "حزب الله"، لا سيما بعد أن أثبتت الأحداث الأخيرة أنه غير جاهز أصلاً لخوض مواجهة في قطاع غزة.

بالنسبة إلى هذه المصادر، التي لا تزال تؤكّد أن إحتمال تدهور الأوضاع عسكرياً لا يزال بعيداً، نظراً إلى أن المعركة إقتصاديّة بالدرجة الأولى وكل ما عدا ذلك يندرج في إطار الحرب النفسيّة بين الجانبين، وتوحي المعطيات الأولية بأن القلق الأميركي يتعلق بساحات أخرى، هي العراق، على سبيل المثال، حيث أمرت وزارة الخارجية الأميركية موظفيها غير الأساسيين بمغادرته، سواء العاملين في السفارة في بغداد أو في القنصلية في أربيل، في حين كان الجيش الأميركي قد أكد، قبل ساعات، مخاوفه حيال تهديدات وشيكة من قوّات مدعومة من إيران في العراق.

بالإضافة إلى ذلك، تلفت المصادر نفسها إلى أن إستهداف حركة "أنصار الله" اليمنيّة، عبر طائرات مسيّرة، محطتي ضخ لخط أنابيب النفط في السعوديّة، تؤكد أن الساحة اللبنانيّة لن تتحول إلى ساحة مواجهة أو تصفية حسابات، الأمر الذي يرجّح ألاّ يحصل في الفترة المقبلة، نظراً إلى أنها ترى أن ما حصل حتى الآن يوحي بإقتراب موعد إعادة فتح قنوات الإتصال الأميركيّة الإيرانيّة.

بالإضافة إلى ما تقدم، تشير المصادر السياسيّة المطّلعة إلى وجوود ملف لبناني أساسي يتطلب معالجة، قد يبدّد أيّ إحتمال لتوتّر الأوضاع، يتعلّق بترسيم الحدود البريّة والبحريّة مع إسرائيل، برعاية الولايات المتحدة والأمم المتحدة، وتلفت إلى أن زيارة ساترفيلد تأتي ضمن هذا الإطار بشكل أساسي، حيث هدف إلى نقل موافقة بلاده وتل أبيب على الطرح اللبناني لحل النزاعات الحدوديّة، وتعتبر أن معالجة هذا الملف تفترض إبقاء البلاد بعيدة عن أي توتر.

في المحصّلة، تجزم هذه المصادر بأنّ تداعيات عمليّة تبادل الرسائل الأمنيّة بين الجانبين لن تكون سهلة على الإطلاق، لكنها في المقابل ترى بأن لبنان، على ما يبدو، ليس من ضمن الساحات التي يجري فيها تبادل الرسائل.