لم يتقبّل احد الكلام الذي صدر عن رئيس ​الاتحاد العمالي العام​ ​بشارة الاسمر​ بحقّ البطريرك الماروني الراحل مار نصر الله بطرس صفير، ليس بسبب تأييد الجميع للبطريرك الراحل، فهناك قسم من اللبنانين كان على خلاف معه بالرأي والتوجّه السياسي، ولكن الاجماع على استنكار ورفض كلام الاسمر نابع من مرتكزات اساسيّة تمسّ، ليس فقط حرمة الموت، بل معتقدات مسيحيّة اساسيّة تتعلق بالقدّيسين (علماً ان البطريرك لم يعلن من قبل الكنيسة قديساً)، اضافة الى كلام لا يليق ان يصدر عمّن يفترض أن يمثل عمّال لبنان.

واذا كان الحديث عن اعتذار بسبب موقف انتقادي للتدابير التي رافقت وفاة البطريرك صفير مقبولاً بالشكل، إلاّ أنّ ما تبعه من كلام غير مقبول لا بالشكل ولا بالمضمون، وهذا لا يعفي ايضاً من كان يستمع ويؤيّد التعليقات الساذجة والنافرة التي صدرت عن الاسمر، من المسؤولية نفسها، ولكن يبقى لصاحب الكلام الحصّة الاكبر منها.

وبما ان لا علاقة لنا بعدالة السماء ومحاكمتها، سننطلق من محاكمة الارض التي تنتمي اليها حياة الاسمر العامّة، ومن الطبيعي القول أنّ مهامّه كرئيس للاتحاد العمّالي العام انتهت حتى ولو انه لم يقدّم استقالته، وحتى لو وضع نفسه بتصرف البطريرك الماروني الحالي ​مار بشارة بطرس الراعي​. فمن الناحية الاجتماعيّة، لا يمكن ان ننسى ان الاسمر يمثل شريحة اجتماعيّة بالدرجة الاولى، شريحة كبيرة منها من الطائفة المسيحيّة التي شعرت نفسها "مصابة" بكلامه، فيما الشريحة الاسلاميّة سينتابها القلق ممّا يمكن ان يصدر عن الاسمر نفسه من كلام بالسرّ او بالعلن، بحق رموز طائفة لا ينتمي اليها. وبالتالي فهو فقد ثقة الشريحة الاجتماعيّة التي يتحدّث باسمها.

من ناحية اخرى، هل من احد سيقبل الالتزام بالمواقف التي سيطلقها الاسمر سياسياً واجتماعياً وعمالياً؟ وهل سيكون بامكانه الوقوف امام جماهير عمّالية ويدعوها لتنفيذ اضرابات ويحرّك مشاعرها ايجاباً بعد ان استحوذ على كل المشاعر السلبيّة تجاهه، خصوصاً بعد ردود الفعل التي صدرت خلال اليومين الماضيين من نقابات استهجنت كلامه ورفضته جملة وتفصيلاً؟!.

اما الأهم فيبقى في عدم قدرة الطبقة السياسيّة على التحدّث معه بشكل علنيّ بعد اليوم، فهو سيشكّل احراجاً لكل من سيطلب موعداً للقائه من المسؤولين، أكانوا من الطائفة المسيحيّة ام من الطائفة الاسلاميّة. فكيف سيكون ردّ فعل الناس اذا ما منحه رئيس الجمهورية موعداً للقائه وبحث الاوضاع معه، وكيف سينظر الناس الى رئيسي مجلسي النواب والحكومة اذا انتشرت صور أي لقاء قد يجمعهما به، وكيف سيبرّر كل من هؤلاء لقاء رجل صدر عنه كلام يسيء الى طائفة بكاملها وليس فقط الى شخص بطريرك متوفٍّ. اما الوزراء والنواب، فحدّث ولا حرج، فقد عبّر قسم كبير منهم عن رأيه بصراحة من خلال دعوة الاسمر الى الاستقالة الفورية، فيما سيتجنّب الباقون حتماً اي لقاء يجمعهم به. هذا على صعيد المسؤولين الرسميين، اما على صعيد المسؤولين السياسيين والروحيين، فليس الوضع افضل حتماً، لان الاحزاب لن تدخل في قفص اتهام تأمين الغطاء له، كونه سيصبح بمثابة "المنبوذ" من قبل الجميع، ولن يخاطر اي حزب اساسي وفاعل في مساعدته على استعادة صورته. وفي ما خص المسؤولين الروحيين، فلا حاجة للحديث عن هذه النقطة لانها تتحدّث عن نفسها بطبيعة الحال.

قد لا تتوفر كل المعطيات الكفيلة بوصول شخص جديد مكان الاسمر على رأس الاتحاد العمالي العام، حتى ولو تقدم باستقالته، ولكن من الواضح ان حياته العامة انتهت، وان الاتصالات ستنشط على اكثر من خط لتأمين البديل بشكل سريع، بحيث سيُعتبر منصب رئيس الاتحاد فارغاً حتى اشعار آخر.

ويمكن القول ان حالة العجز التي اعترف الاسمر نفسه بالمعاناة منها خلال كلامه، لم يعرف التعايش معها ومعالجتها، فكانت السبب المباشر في انهاء حياته العامّة وتغيير نظرة الناس اليه، وربما نظرته الى نفسه.