في إطار التصعيد المُتدرّج للصراع بين ​إيران​ وحلفائها من جهة و​الولايات المتحدة​ الأميركيّة وحلفائها من جهة أخرى، شهد الأسبوع الماضي تصعيدًا أمنيًا خطيرًا تمثّل في تعرّض بعض السُفن التجاريّة بالقرب من المياه الإقليميّة لدولة ​الإمارات​ العربيّة المتحدة، ومحطّتي ضخّ نفطيّتين في السعوديّة، لهجمات. لكنّ هذه الهجمات التي هدفت إلى إيصال رسالة مُتشدّدة بأنّ من شأن السعي لخنق إيران إقتصاديًا أن يتسبّب بسعي مُقابل لخنق دُول ​الخليج​ إقتصاديًا أيضًا، تركت إرتدادات عكسيّة صبّت في صالح كل من الرياض وأبو ظبي وواشنطن، وليس طهران! وفي هذا السياق، يُمكن تعداد ما يلي:

أوّلاً: سمحت الهجمات المَذكورة لكل من السُعوديّة والإمارات بتعزيز موقعهما الإقليمي والدَولي، لجهة الحُصول على دعم واسع سياسيًا ومعنويًا من جانب العديد من الدول الإقليميّة والدَوليّة، وحتى على دعم عسكري مُباشر من قبل ​الجيش الأميركي​، الأمر الذي إستفاد منه الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز، لتوجيه دعوة لقادة ​دول مجلس التعاون​ الخليجي وكذلك لقادة الدول العربيّة، لعقد قمّتين طارئتين، واحدة خليجيّة والثانية عربيّة، وذلك للبحث في التطوّرات الإقليميّة ولإتخاذ ما يلزم من مواقف ومن إجراءات لتعزيز الأمن والإستقرار في المنطقة.

ثانيًا: وافقت الدُول الخليجيّة وبعض الدول العربيّة على إعادة تفعيل إنتشار الوحدات العسكريّة الأميركيّة في المنطقة، بحجّة مُواجهة التهديدات الإيرانيّة التي تطال حركة الملاحة البحريّة في ​مضيق هرمز​، الأمر الذي عزّز "الأوراق" التي تملكها واشنطن في المنطقة، لجهة تفعيل حُضورها العسكري إقليميًا من جديد، وكذلك لجهة الإستحواذ على "ورقة بيضاء" للتحرّك سياسيًا وعسكريًا كما ترغب، وذلك من قبل العديد من الدول العربيّة.

ثالثًا: سلّطت التطوّرات الأمنيّة الضوء مُجدّدًا على قاعدة الأزرق الجويّة في شمال شرق الأردن وتحديدًا على مثلث الحُدود الأردنيّة–العراقيّة-السُوريّة، والتي تُعتبر من أهمّ القواعد الإستراتيجيّة في الإقليم، علمًا أنّها خضعت في الماضي القريب لعمليّة تَوْسِعة وتحديث وتطوير، بتمويل ساهمت الولايات المتحدة الأميركيّة في الجزء الأكبر منه، باعتبار أنّها تُستخدم جزئيًا من قبل الجيش الأميركي في المنطقة، وهي قد تكون البديل المناسب له في حال إغلاق قاعدة "العديد" في قطر أو قاعدة "أنجرليك" في ​تركيا​.

رابعًا: تصاعد التنسيق السعودي–المصري بشكل كبير من جديد، والتنسيق المصري–الإماراتي أيضًا، وعاد الحديث عن القطبين العربيّين، أيّ مصر والسعوديّة اللذين يقع على كاهلهما حماية المصالح العربيّة بوجه الأطماع والتهديدات الخارجيّة.

خامسًا: التهديدات الأميركيّة–الإيرانيّة المُتبادلة بالحرب، وعلى الرغم من طابعها الإعلامي المَعنوي أكثر منه العملاني، تركت إرتدادات سلبيّة في الداخل الإيراني بشكل يفوق وبفارق كبير الإرتدادات التي طالت مُطلق أي دولة أخرى، ولذلك سارع أكثر من مسؤول إيراني إلى التأكيد أن لا حرب مُرتقبة مع أميركا، بهدف تهدئة مخاوف الشارع الإيراني في ظلّ تراجع كبير للأوضاع الإقتصاديّة والماليّة والحياتيّة في إيران.

سادسًا: تسبّبت الهجمات على السفن وعلى المحطّات النفطيّة بارتفاع أسعار المشتقّات النفطيّة، بشكل يعود بالفائدة على الدول المُصدّرة للنفط، لجهة زيادة هامش أرباحها، بينما يؤثّر سلبًا على كل الدول التي تستورد النفط، علمًا أنّ إيران ليست بوضع يسمح لها حاليًا الإستفادة من إرتفاع أسعار النفط، نتيجة الحصار المفروض على تصدير نفطها.

سابعًا: تنامي المُعارضة الدَوليّة لأيّ مُحاولات لضرب خطّ الإمداد الإستراتيجي للنفط عبر مضيق هرمز، باعتبار أنّ ما بين 17 إلى 18 مليون برميل من النفط يمرّ يوميًا عبره، أي نحو 30 % من إمدادات العالم النفطيّة. وإذا كان صحيحًا أنّ تصدير 88 % من نفط السعوديّة و99 من نفط الإمارات، يتمّ عبر مضيق هرمز، فإنّ الأصحّ أنّ كلاً من الصين والهند وكوريا واليابان وغيرها من الدول الآسيويّة تعتمد بشكل أساسي على النفط الخليجي التي تُصدّر 80 % من مشتقّاتها النفطيّة إلى آسيا، و20 % نحو أوروبا والقارّة الأميركيّة، وهذه الدول الآسيويّة لا يُمكنها الموافقة على إنقطاع النفط عنها. كما أنّ الدول الخليجيّة تملك خُطوطًا بريّة بديلة لتصدير نفطها، لكن إستخدامها يؤخّر عمليّات التصدير ويرفع أسعار النفط بشكل كبير، الأمر الذي من شأنه أن ينعكس سلبا على الإقتصاد العالمي.

في الخُلاصة، إنّ الضُغوط الإقتصاديّة والمَعنويّة التي تمارسها واشنطن حاليًا على طهران تصبّ في صالحها على مُختلف المُستويات، بينما الرسائل الأمنيّة غير المُباشرة التي وجّهتها طهران لخُصومها الأميركيّين والخليجيّين، إرتدّت سلبًا عليها، حتى من دون أن تكون قادرة على تحمّل مسؤوليّتها إعلاميًا، وعبر نسبها إلى جماعات تسعى للإيقاع بين أميركا وإيران تارة، أو لجماعات تُدافع عن نفسها في اليمن طورًا.