لم تنتظر ​الولايات المتحدة​ نهاية شهر رمضان حتى تعلن عن الخطوة الأولى في طريق "​صفقة القرن​"، أي ما تعتبره "خطة للسلام في منطقة الشرق الأوسط"، حيث أعلنت عن انعقاد ورشة اقتصاديّة دوليّة في البحرين، أواخر شهر حزيران المقبل، للتشجيع على الاستثمار في الأراضي الفلسطينيّة، في مؤشّر على أن هذه الصفقة لا تقتصر على الخطوات السياسيّة، بل تشمل أخرى إقتصاديّة يُراد لها أن تكون الداعم الأول في نجاح الثانية.

ما تقدم، لا ينفصل عن المواجهة التي تخوضها الولايات المتّحدة في المنطقة نفسها مع الجمهوريّة الإسلاميّة في ​إيران​، والتي وصل فيها التصعيد الإقتصادي والعسكري إلى مستويات غير مسبوقة، بالرغم من الرسائل المتبادلة بين الجانبين بعدم الرغبة بالدخول في مواجهة مباشرة ومفتوحة، في حين كانت بعض الدول العربية، لا سيما الخليجية منها، قد حددت موقعها بالوقوف إلى جانب الخطة الأميركيّة.

في ظلّ هذا الوضع، من الطبيعي السؤال عن موقع ​لبنان​ من كل ما يجري، لا سيما أنه جزء لا يتجزأ من المنطقة التي تشهد كل هذه التوترات، وبالتالي هو معني بكل ما يحصل، خصوصاً أن تداعيات "صفقة القرن" قد تطاول أحد أبرز الملفّات، أيّ قضيّة اللاجئين الفلسطينيين، حيث تعمد كل من رئيس "الحزب التقدمي الإشتراكي" النائب السابق وليد جنبلاط ورئيس الحكومة سعد الحريري إرسال رسائل واضحة على هذا الصعيد.

بعد التوتر الذي طغى على علاقة جنبلاط مع "​حزب الله​"، تعمد رئيس "الإشتراكي" التحذير من تورط أحدهم في ​العالم العربي​ في المواجهة بين واشنطن وطهران، في حين عاد الحريري إلى التذكير بأن الإساءة لأيّ دولة عربية إساءة للبنان، في الوقت الذي كان يتم التوافق فيه على أن يرأس وفد لبنان إلى القمّة الإسلاميّة في مكة المكرّمة، في 31 أيار الحالي و1 حزيران المقبل، التي دعا إليها الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز.

من وجهة مصادر سياسيّة مطلعة، لا يمكن الفصل بين الضغوط على إيران وحلفائها في المنطقة وما يتم التحضير له من قبل واشنطن على مستوى "صفقة القرن"، نظراً إلى أنّ الولايات المتّحدة تدرك جيداً أنّ طهران مع حلفائها هم القوّة الوحيدة القادرة على الوقوف في وجه هذه الصفقة وعرقلتها، بعد ضمان موقف أغلب الدول العربيّة التي تستطيع أن تؤمن الغطاء لها.

وتشير هذه المصادر، عبر "النشرة"، إلى أنّ واشنطن كانت تريد من الضغوط الإقتصاديّة على إيران جرّها إلى طاولة مفاوضات تتناول مختلف ملفّات المنطقة، لكن حتى الساعة لا يبدو أن طهران في هذا الوارد، نظراً إلى أنها لا يمكن أن تقبل بهكذا طرح، كي لا يُفسر موقفها على أساس أنه ضعف، ما يفتح المجال إلى المزيد من الضغوط في حال لم توافق على ما يُطرح عليها.

إنطلاقاً من ذلك، ترى المصادر نفسها أن الأشهر المقبلة لن تكون سهلة على الإطلاق، حيث من المتوقع أن تزيد الولايات المتحدة الضغوط على إيران، في حين أن الأخيرة كانت قد بدأت بإرسال الرسائل الناريّة عبر حلفائها، سواء في اليمن أو في العراق، ما يعني أن الجانبين يدركان أن شروط الجلوس على طاولة المفاوضات، في الوقت الراهن، لم تكتمل بعد، بالرغم من أن واشنطن كانت قد بدأت بجمع أوراق قوتها منذ أكثر من عام.

وفي حين تشدد المصادر السياسيّة المطلعة على تأكيد أغلب الأفرقاء المحليين أن ما ظهر من "صفقة القرن"، حتى الآن، لا يبشّر بالخير، وتعرب عن مخاوفها من ربط المساعدات الماليّة المنتظرة بالرضوخ لأيّ مطالب سياسيّة متعلّقة بالصراع العربي الإسرائيلي، لا سيما إذا ما دخلت بعض القوى الأوروبيّة الفاعلة على خطّ الشراكة في هذه "الصفقة"، نظراً إلى أنّ الموقف اللبناني لن يكون حينها قوياً.

في المحصّلة، تجزم هذه المصادر بضرورة الإنتباه لكل ما يُحكى على هذا الصعيد، نظراً إلى أن كل الإحتمالات مفتوحة، إلا أنها تشير إلى أنّ الرهان الأساسي قد يكون على الصمود الفلسطيني في هذا الإطار، سواء كان ذلك من السلطة الفلسطينيّة أو من حركة "حماس".