ما لم يحدث ما ليس في الحسبان، فإن ​الموازنة​ العامة للعام 2019 سيتم إنجازها على طاولة ​مجلس الوزراء​ هذا الأسبوع، لتُحال إلى ​مجلس النواب​، كمشروع قانون، ليعاود المجلس تشريحها لأصدارها في قانون، ولكن بعد أن تكون ​السنة​ قد انتصفت.

ولكن بين أن تأتي الموازنة متأخرة أو لا تأتي بالمطلق، فإن "أهون الشرين" أن تأتي متأخرة، لأن وظيفتها ليست ضبط عملية الإنفاق، ولو نظريًا، بل أصبحت شرطًاً من شروط الدول المُقرضة والمانحة في "سيدر"، وهذه الدول والمؤسسات بدأت ترتاب في أن يتمكن ​لبنان​ من الإيفاء بإلتزاماته حيال ما التزم به في نيسان من العام 2018.

***

وإذا كان لبنان يريد ان يلتزم أمام ​الدول المانحة​ والمقرضة، فماذا عن التزاماته تجاه شعبه وتجاه ​القطاع الخاص​ الذي بات السند شبه الوحيد لجعل الدولة تقف على رجليها؟

حتى الآن، لا التزام يُعتدُّ به ولكن الوقت أصبح ضاغطًا، فإذا أُنجزت الموازنة هذا الاسبوع في مجلس الوزراء، فلن يكون بالإمكان إنجازها في مجلس النواب الاسبوع المقبل لأن رئيس ​الحكومة​ ​سعد الحريري​ سيكون في ​المملكة العربية السعودية​ للمشاركة في القمتين الطارئتين، الإسلامية والعربية والقمة الخليجية اللتين ستعقدان في ​مكة المكرمة​ في 30 أيار الحالي. أي منتصف الأسبوع المقبل، وهكذا تكون الموازنة قد رُحِّلَت إلى حزيران، ويُفترض ان تُنجَز قبل منتصفه أي قبل حلول ​عيد الفطر​.

***

أين البلد من كل هذه المواعيد الضاغطة؟

حين نتحدث عن البلد فإن المقصود فيه هو القطاع الخاص "شعبًا ومؤسسات": القطاع الخاص هو القطاع المنتج الذي يُشكِّل أكثر من ثمانين في المئة من ​الإقتصاد اللبناني​، من دون أية التفاتة من الدولة التي تحمِّله أكثر مما يحتمل.

السؤال هنا هو التالي: هل هناك أحدٌ من مسؤولي هذه الدولة يعرف ماذا يجري في القطاع الخاص من مآسٍ؟

مؤسسات تُقفل، متاجر تُصفي بضائعها بأبخس الأسعار، مؤسسات عريقة تُكدِّس البضائع في متاجرها وفروعها المنتشرة في مختلف المناطق اللبنانية، لكنها غير قادرة على السداد لكبار التجار، ما يدفع هؤلاء التجار الى ان يوقفوا تسليم بضائعهم للمؤسسات التي تمتنع مجددًا عن السداد، فيقوم نزاع صامت بين الطرفين: لا المتاجر قادرة على السداد ولا التجار قادرون على تسليم البضائع، وعندما يكون الكبار على هذه الدرجة من المعاناة، فماذا عن التجار الصغار الذين يشكلون النسبة الكبيرة من الأسواق؟

***

والمسّ بالقطاع الخاص لم يقتصر على المتاجر بل وصل إلى ​المصارف​، السند الاخير والوحيد للدولة:

أولى الخطوات اكتتاب سندات الخزينة بالعملة اللبنانية بقيمة 11 الف مليار ليرة، أي ما يعادل 7.3 مليارات ​دولار​ بفائدة 1 في المائة، اكتتاب المصارف بضمان ​مصرف لبنان​ سيوفر على الخزينة ألف مليار ليرة، وهو الرقم الذي كان اقترحه باسيل لتخفيض خدمة الدين من قِبل المصارف.

ولكن ماذا بعد هذه الخطوة؟ وإلى متى سيستمر تحميل المصارف، وهي قطاعٌ خاص، أعباء ​القطاع العام​ غير المنتج؟