طمأن رئيس ​مجلس القضاء الأعلى​ في ​لبنان​ ​القاضي جان فهد​، إلى أن "​القضاء اللبناني​ بخير، ولا خوف على العدالة بسبب اعتكاف بعض القضاة لأسباب تتعلّق بالحفاظ على استقلالهم المادي وتحصين استقرارهم المعنوي والمادي".

وفي حديث لصحيفة "الشرق الاوسط"، شدد فهد على "تمسّك مجلس القضاء باستقلالية السلطة القضائية وعدم التفريط بها، وعلى المحافظة على الأمن الاجتماعي للقضاة"، مؤكداً أنه "لن تكون هناك أسباب مقلقة يمكن أن تدفع القضاة إلى تقديم استقالات فردية أو جماعية، ونحن مستعدون لمواجهة الأسباب التي تعيق أداء القضاة لمهامهم القضائية بحرية وصفاء ذهن، والتي تشكل سبباً يدفع بعضهم إلى الاستقالة".

وأعلن أن "الإشكالية التي كانت قائمة في ​الموازنة​ جرت تسويتها، والأمور تسير بشكل إيجابي، ولا أزمة قائمة بين السلطة السياسية والقضاء"، موضحاً أن "القضاة المعتكفين ينتظرون إقرار الحكومة لمشروع الموازنة بصيغتها النهائية، وهم سيعلّقون اعتكافهم قريباً وربما خلال الساعات المقبلة، ونحن اطّلعنا على مشروع الموازنة من وزير ​العدل​ والأمور إيجابية".

ولم يخفِ "مساهمة السلطة القضائية بجزء من إيرادات الخزينة"، مشيراً إلى "أننا سمعنا من رئيس الجمهورية العماد ​ميشال عون​، كلاماً مقنعاً بأن ​الوضع المالي​ والاقتصادي صعب، وهذا يفرض على كلّ إدارات الدولة أن تضحّي وتسهم بإنقاذ البلد، كلّ قطاع حسب قدرته"، مشيراً إلى أن "القضاء هو جزء من هذه الدولة وسيسهم على قدر استطاعته، لكننا معنيون بتثبيت الأمن الاجتماعي للقضاة عبر حفظ موارد ​صندوق التعاضد​ الخاص بهم"، مدلياً بأنه "جرى اقتطاع نسبة 5% من أصل 30% من حصة صندوق التعاضد في عائدات غرامات أحكام السير".

وأوضح أن "​قانون الموازنة​ العامة يتضمن نفقات جميع السلطات بدءاً من ​رئاسة الجمهورية​ و​المجلس النيابي​ و​رئاسة الحكومة​ وكلّ الوزارات، وهذا الحال ينطبق على القضاء"، مشيراً إلى أن "رواتب القضاة المالية ومستحقاتهم يجب أن تدخل ضمن الموازنة العامة، فمن حقّ المواطن اللبناني وهو المكلّف بتسديد الضريبة، أن يعرف كيف تقوم الدولة بتوزيع النفقات بين مختلف سلطاتها، وأن يعرف النسبة التي تخصصها الدولة للقضاء وهي حالياً نحو 0.4%".

وكشف أن "مجلس القضاء أنشأ لجنة من كبار القضاة لصياغة اقتراح قانون جديد يؤمّن استقلالية السلطة القضائية، بما يحصّن القاضي ضد تأثير التدخلات السياسية، ويوفّر الضمانات اللازمة التي تمكّن مجلس القضاء الأعلى من إجراء التشكيلات والمناقلات القضائية، دون أن تكون للسلطة السياسية قدرة على تعطيلها".

ورأى أن "كل سلطة يجب أن تراقب عمل السلطات الأخرى لمنعها من التعسف في استعمال صلاحياتها"، مشيراً إلى أنه "في حال اتخذ مجلس القضاء الأعلى المنتخب من القضاة، قرارات لا تصب في مصلحة حسن سير العدالة كما يريدها ويراها المواطن، ولم تكن هناك إمكانية لأي سلطة لمحاسبته، نصبح أمام حكم القضاة وليس أمام سلطة تمارس مفهوم العدالة وترسّخ حكم القانون".

وشدد فهد على "ضرورة زيادة عدد أعضاء مجلس القضاء الأعلى المنتخبين، بما لا يقلّ عن نصف الأعضاء بدل عضوين من أصل عشرة، وضرورة تعديل المادة الخامسة من قانون القضاء العدلي المتعلقة ب​التشكيلات القضائية​".

وعن تلويح القضاة المعتكفين باستقالات جماعية بمتابعة من قبل المراجع القضائية وحتى السياسية، أكد فهد أن "لا أسباب جوهرية تبرر الاستقالات الجماعية"، مؤكداً أن "كلّ قاضٍ يشكّل بالنسبة إلى مجلس القضاء والدولة قيمة قانونية كبيرة وضمانة للنظام القضائي ولحقوق الناس، عدا عن الكلفة المالية التي تتكبّدها الدولة من أجل اختياره، وبالتالي فإن الدولة لن تفرّط بأي قاضٍ".

وسأل: "هل من مخاطر جدية تدفع القضاة إلى الاستقالة؟"، مشيراً إلى أن "هذه الأسباب غير متوافرة ولن نسمح بخلق أرضية تدفع أي قاضٍ إلى سلوك درب الاستقالة"، مضيفاً: "قد يستقيل القاضي عندما يشعر بأنه لم يعد قادراً على ممارسة دوره وإصدار قراراته وأحكامه باستقلالية، وبالتالي فهو لن يستقيل من أجل مسائل مادية غير مؤثرة على أمنه الاجتماعي".

وعمّا إذا كانت الموازنة تهدد بالفعل التقديمات الاجتماعية للقضاة مثل المنح التعليمية و​التغطية الصحية​، أوضح فهد أن "هذه المنح والتغطية الصحية، يؤمّنها صندوق تعاضد القضاة الذي لديه استقلالية تامة، والحكومة تؤكد دائماً حرصها على الضمانات التي يوفرها الصندوق، وبالتالي لا خوف على الصندوق وما يقدمه من ضمانات للقضاة وعائلاتهم".