جلسة مجلس الوزراء أول من أمس الاربعاء كانت الجلسة الـ 18، قال أحد الخبثاء:

بلغت الحكومة سن الرشد! وها هو الرقم 18 يُثبت ذلك، وستكون جلسة بلوغ سن الرشد هي

"خاتمة جلسات إقرار الموازنة".

لكن خاب ظن مَن هلل لذلك وبشّر به، إذ يبدو انه حتى "سن الرشد" لم يُسعِف الحكومة في نقل الموازنة من ضفة النقاش إلى صفة الإقرار، ليستلزم الأمر جلسة تاسعة عشرة اليوم الجمعة، قال عنها وزير الإعلام إنها ستكون الأخيرة، لكن لا أحد يخاطر ويُسلِّم بأنها ستكون الأخيرة، لقد سبق لوزير الإعلام أن "زفَّ" إلى اللبنانيين عن جلسات سابقة كانت ستكون الأخيرة، ليتأكَّد للقاصي والداني انها لم تكن كذلك.

***

من دون لفٍّ ودوران، لماذا وصلنا إلى هنا؟ وما هو الصراع الحقيقي؟ ولمَن الكلمة الفصل في صراع الموازنة؟

المواجهة هي بين وزير الخارجية، رئيس ​التيار الوطني الحر​ ورئيس تكتل ​لبنان القوي​ ​جبران باسيل​، وبين وزير المال ​علي حسن خليل​ ورئيس الحكومة ​سعد الحريري​.

الوزير باسيل يعتبر أن الموازنة المقدَّمة هي موازنة ترقيعية لا تراعي المطلوب لجهة التقشف الحقيقي لإنقاذ الوضع المالي والإقتصادي وتفادي الإنهيار... منذ أكثر من شهر قال: "إما ان تقبلوا بخفض الرواتب وإما سنصل إلى يوم لا يعود بالإمكان دفع رواتب".

قامت القيامة ولم تقعد، وتم توجيه أكثر من اتهام للوزير باسيل بأنه يريد المس بمكتسبات أصحاب الدخل المحدود، ما اضطُر اوساطه إلى توضيح موقفه، من دون نفيه، خصوصًا انه مقتنع بأنه لم يعد بالإمكان الإستمرار من دون تقشف في بلدٍ ازدادت مزاريب الهدر فيه.

***

في المقابل كانت هناك الموازنة التي قدَّمها وزير المال علي حسن خليل بالتوافق والتنسيق مع رئيس الحكومة سعد الحريري، وعملية الدفاع عن أرقامها مستمرة من قِبل الرئيس الحريري والوزير خليل.

اليوم وصلنا إلى هنا، فما العمل؟

اقترب الموضوع من أن يتحوَّل شخصيًا:

فبعد الورقة التي قدَّمها الوزير باسيل، لم يعد بإمكانه ان يتراجع، والدليل على ذلك أنه حين كانت الاجواء تقول إن الجلسة الـ 18 ستكون الأخيرة، سُئل لدى دخوله إلى قاعة مجلس الوزراء: هل ستنتهون من الموازنة اليوم؟ فأجاب جوابا مختصرًا ومعبِّرًا: "بتخلص لمَّن بتخلص"، أي لا شيء حتميًا ولا شيء نهائيًا.

هذا الموقف للوزير جبران باسيل يجب ألا يفاجئ احدًا، فهو منذ ترأس تيار لبنان القوي وكتلته النيابية، يُعلِن موقفًا، لا يحيد عنه، يستمر على موقفه حتى تحقيقه أو على الأقل حتى منع الطرف المقابِل من تحقيق ما يريده، والأمثلة كثيرة على ذلك:

في ​قانون الإنتخابات​ النيابية الأخير، بقي على موقفه إلى ان أدخل التعديلات التي يريدها على القانون.

أثناء تشكيل الحكومة تأخر التشكيل إلى ان فرض العدد الذي يريده والحقائب التي يريدها، وفرض الفيتو على مَن لا يريده في الحكومة وعلى مَن لا يريد أن يعطيه حقيبة معينة.

***

رئيس الحكومة مُدرِك لهذه المعطيات لكنه مغلوبٌ على أمره وغير قادر على المواجهة وسلاحه الوحيد هو التأجيل، ولكن إلى متى؟

في ظل هذه المعطيات، تبدو المسألة أبعد من موضوع موازنة: باتت أزمة ثقة داخل الحكومة، فكيف ستقلع بعد كل حملات التشكيك المتبادلة؟

لا شيء يطمئن!