عند طرح المبادرة العربيّة للسلام، خلال ​القمة العربية​ التي عقدت بيروت في العام 2002، طرح مبدأ "الأرض مقابل السلام"، إلا أن ​الحكومة​ ال​إسرائيل​يّة، برئاسة آرييل شارون، رفضت حينها المبادرة بشكل قاطع. ومنذ ذلك الوقت تتمسك السلطة الفلسطينيّة بهذه المبادرة، كخطّة سلام، في حين يُصر الجانب الإسرائيلي على تجاهلها.

اليوم، يتحضر العالم لخطة جديدة سيطرحها الرئيس الأميركي ​دونالد ترامب​، بعد نهاية شهر رمضان، بالرغم من الكشف عن الخطوة الأولى لها، عبر الإعلان عن مؤتمر اقتصادي لجذب الاستثمارات إلى الضفة الغربيّة وغزّة والمنطقة في البحرين يومي 25 و26 من شهر حزيران المقبل، إلا أنّ المبدأ الأساسي لها ينطلق، على ما يبدو، من معادلة كانت حاضرة في المنطقة، خلال مرحلة حصار العراق قبل الغزو الأميركي في العام 2003، فبدل "النفط مقابل الغذاء" المطروح اليوم هو "السلام مقابل الغذاء".

المعادلة الأخيرة، تبدو واضحة في السياسة الأميركيّة المعتمدة في عهد الرئيس الحالي دونالد ترامب، من خلال العقوبات الإقتصاديّة التي تفرضها على الدول والكيانات التي ترفض سياساتها، والتي تريد من خلالها جرّها إلى طاولة المفاوضات بشروط أفضل، وهو ما يظهر بشكل جليّ من خلال طريقة التعامل مع الجمهوريّة الإسلامية في ​إيران​، في حين أن مبدأ "الأرض مقابل السلام"، في القاموسين الأميركي والإسرائيلي، بات من الماضي، خصوصاً بعد الإعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل أولاً، ثم الإعتراف بسيادة تل أبيب على الجولان السوري المحتل ثانياً، في ظل المخاوف من أن تكون الخطوة الثالثة في الضفة الغربيّة أو مزارع شبعا وتلال كفرشوبا اللبنانيتين.

ضمن هذا السياق، هناك نقطة مفصليّة ينبغي التنبّه لها، تتعلّق بأن خطة السلام الأميركيّة الجديدة تحظى بمباركة العديد من الجهات العربيّة، لا سيما السعوديّة والإمارات العربيّة المتّحدة والبحرين التي ستحتضن المؤتمر الإقتصادي، بعد إنطلاق موجة واسعة من التطبيع العربي الإسرائيلي، على قاعدة أن العدوّ، في المرحلة الراهنة، هو طهران لا تل أبيب، لا بل بات الحديث عن تحالف مشترك ضد إيران هو الأقرب إلى الواقع، بالرغم من أن المبادرة العربيّة للسلام تحمل اسم الملك السعودي الراحل عبدالله بن عبد العزيز.

في الإطار نفسه، هناك بند أساسي لا ينبغي تجاهله بأي شكل من الأشكال، يتعلق بملف اللاجئين الفلسطينيين، الذي يعود ليطرح بقوّة في ظلّ التوجّه إلى تصفية مبدأ حق العودة في الخطة الأميركيّة، الأمر الذي كان حاضراً لدى مناقشة الخطة العربيّة، في بيروت في العام 2002، حيث نجح الجانب اللبناني حينها في إضافة بند عودة اللاجئين الذي كان غائباً عن مبادرة ​الملك عبدالله​، والتصفية اليوم تقوم على مبدأ التوطين مقابل حصول الدول المعنيّة على مساعدات ماليّة، ستتولى الدول العربيّة تغطية الجزء الأكبر منها، في حين أنّ من سيرفض الإلتحاق بالخطّة سيكون عرضة للمزيد من العقوبات أو الخضّات الإقتصاديّة والماليّة.

بناء على ما تقدم، يمكن القول أنّ مقومات مبادرة السلام العربيّة بات من الماضي، بينما المطروح اليوم على بساط البحث هو مبادرة السلام الأميركيّة، التي تلبّي من خلالها واشنطن مطالب تل أبيب الكاملة، فالأولى كانت تهدف بشكل أساسي إلى الانسحاب الإسرائيلي من الأراضي العربيّة المحتلّة منذ عام 1967، مع إمكانيّة تبادل الأراضي المتّفق عليها بين الجانبين، وإقامة دولة فلسطينيّة عاصمتها القدس الشرقيّة، مع حلّ عادل ومتّفق عليه تجاه قضية اللاجئين الفلسطينيين، في المقابل تقوم الدول العربيّة بالاعتراف بإسرائيل وتطبيع العلاقات معها، فتل أبيب لم تعد بحاجة إلى تقديم أي تنازل للحصول على الإعتراف والتطبيع، نظراً إلى الخطوات المسبقة التي قامت بها الدول العربيّة على هذا الصعيد.

في المحصلة، بات على الجميع التعامل مع مبدأ السلام الجديد: "الغذاء مقابل التطبيع" أو "المساعدات مقابل التطبيع"، الذي سيكون العنوان الأبرز للضغوط التي ستفرض على أي دولة أو جهة ترفض الخطة الأميركية الجديدة، فهل ينجح في تحقيق ما فشل في تحقيقه مبدأ "الأرض مقابل السلام"؟.