كثيرة هي الحروب التي وقعت في السابق أو التي تقع اليوم تُخفي صراعات إقتصاديّة–ماليّة، خلف الشعارات الأمنيّة والسياسيّة وحتى العقائديّة! ولعلّ الكثير من الحروب في منطقة الشرق الأوسط، وتحديدًا تلك التي تحمل بخلفياتها صراعًا على مصادر مُشتقّات النفط والغاز وخُطوط تصديره، هي خير دليل على ذلك. لكن في المرحلة الأخيرة برزت حرب ضارية من نوع آخر–إذا جاز التعبير، وهي تدور تحديدًا بين ​الصين​ من جهة و​الولايات المتحدة​ الأميركيّة وبعض الدول الغربيّة الحليفة لها من جهة أخرى. وما المُواجهة الحازمة التي تتعرّض لها إحدى شركات الإتصالات الصينيّة العملاقة سوى جزء صغير من هذا الصراع الكبير والواسع.

وفي هذا السياق، لا بُدّ من الإشارة إلى أنّ الإدارة الأميركيّة أعلنت ما يُشبه الحرب على إحدى أبرز شركات الإتصالات الصينيّة، بعد أن تمكّنت هذه الأخيرة خلال الأشهر الثلاثة من العام 2019 الحالي، من رفع مبيعاتها من الهواتف الذكيّة في الأسواق ​العالم​يّة، بنسبة 50 %، وباتت تحتلّ المرتبة الثانية عالميًا في هذا القطاع، بحصّة إجماليّة في السوق بلغت 19 %. وهذا الأمر كان أحد الأسباب الرئيسة وراء قيام واشنطن بفتح الحرب عليها–إذا جاز التعبير، وبإصدار قرارات تُحظّر تصدير التكنولوجيا الأميركيّة إليها، وتضع قيودًا حازمة على عملها، علمًا أنّ واشنطن إضطرّت أخيرًا إلى تمديد بدء سريان هذا الحظر حتى مُنتصف آب المقبل، وذلك إفساحًا في المجال أمام تحديث بعض البرامج المعلوماتيّة وأمام إتمام بعض العُقود، بعد أن تبيّن أنّ الضرر لن يقتصر على الصين وعلى شركاتها، إنّما على شركات أميركيّة وغربيّة عدّة.

ومن بين الأسباب وراء حرب الولايات المتحدة الأميركيّة وغيرها من الدول المُصنّفة حليفة لها، على الصين وإحدى شركاتها الناجحة بالتحديد، الخشية من أن تسمح تكنولوجيا الجيل الخامس على مُستوى بنية التواصل اللاسلكي والرقمي، لدول مُتقّدمة تكنولوجيًا، من القيام بعمليّات تجسّس ومُراقبة عن بُعد، وحتى من إمتلاك القُدرة على شنّ هجمات إلكترونيّة على بنى تحتيّة إستراتيجيّة وعلى المرافق العامة والمراكز الماليّة الرئيسة، وربّما على تجهيزات حسّاسة تابعة لمنشآت عسكريّة وأمنيّة، إلخ. وهذه الخشية بالتحديد كانت وراء إتخاذ أكثر من دولة قرارات بمنع الشركة الصينيّة الرائدة على صعيد تصنيع معدّات شبكات الإتصالات والتواصل، من الإشتراك في خطط نشر شبكة الجيل الخامس على أراضيها، بخلفيّات أمنيّة خطيرة، تُضاف إلى الأسباب الإقتصاديّة التي تصبّ في صالح هذه الشركة على حساب تراجع مبيعات الشركات الأميركيّة والألمانيّة والغربيّة الأخرى، وُصولاً حتى إلى شركات كوريّة وغيرها.

وقد بدأت مجموعة "غوغل" الأميركيّة الضخمة، والتي يعتمد على نظامها "أندرويد" لتشغيل مُعظم الهواتف الذكيّة، عمليّات قطع تدريجي لعلاقاتها مع الشركة الصينيّة المعنيّة، الأمر الذي من شأنه أن يُؤثّر سلبًا على عدد كبير من مُستخدمي هواتف وتجهيزات الشركة المذكورة، حيث أنّهم لن يستطيعوا في المُستقبل الوُصول إلى أيّ نسخة تحديث جديدة تُصدرها "غوغل" لنظام "أندرويد" ولا من تشغيلها في هواتفهم وأجهزتهم، ولن يستطيعوا أيضًا الوُصول إلى تطبيقات "غوغل" على إختلاف أنواعها مثل البريد الإلكتروني، والخرائط الرقميّة، ونظام مُشاهدة الأفلام والمقاطع المُصوّرة، إلخ.

في المقابل، سارعت الشركة الصينيّة المُستهدفة بالحظر إلى إصدار بيان حاولت فيه طمأنة المالكين الحاليّين لهواتفها في العالم أجمع، ومنهم بطبيعة الحال، عدد كبير من اللبنانيّين الذين إختاروا خلال الماضي القريب هواتف وتجهيزات إلكترونيّة من صنعها، بأنّها ستستمرّ بتوفير خدمات ما بعد البيع، وبتوفير تحديثات الأمان، لكل الأجهزة المُباعة من إنتاجها، وحتى تلك المَوجودة حاليًا لدى المحال التجاريّة وفي المخازن. لكن هذه التطمينات لم تتحدّث عن المُستقبل، حيث يتردّد أنّ الإجراءات الأميركيّة والمدعومة من أكثر من دولة مثل ​أستراليا​ و​ألمانيا​ وغيرهما، ستؤثّر بالتأكيد بشكل سلبي على حاملي أجهزة الشركة الصينيّة المعنيّة في المرحلة المُقبلة، ما لم يتمّ إيجاد تسوية مع واشنطن، أو ما لم تعمد هي نفسها إلى توفير أحد الأنظمة البديلة لنظام "أندرويد"!.