قبل 19 سنة، جرّ العدو الصهيوني أذيال الهزيمة، وانسحب من جنوب ​لبنان​ تحت ضربات المقاومة الوطنية اللبنانية، معترفاً بهزيمته التي ما تزال تقض مضاجعه إلى اليوم.

نجحت المقاومة اللبنانية بتسجيل انتصار تاريخي، وبتحرير لبنان من الاحتلال ال​إسرائيل​ي، بدعم كامل من سورية العربية التي وقفت إلى جانب المقاومة بكل ثقلها.

كان الانتصار رائعاً في كل من لبنان وسورية، لكن الأهم أن الانتصار بحد ذاته شكّل محطة تحوّل تاريخية في الصراع العربي الإسرائيلي، حيث لم يعد ينفع إسرائيل تفوقها بسلاح الجو الذي لطالما كان مصدر قوتها، ولم يعد يفيدها الدعم الأميركي المطلق بالسلاح والدعم السياسي.

ومنذ ذلك التاريخ، في 25 أيار 2000، وبينما كان لبنان يحفل بالتحرير، بدأت إسرائيل وحلفاؤها من العرب يعدّون العدّة للثأر من المقاومة ومن سورية العروبة، ولأن إسرائيل أدركت استحالة التعايش مع توازن عسكري جديد قائم على توازن الردع الذي يكسر تفوقها الذي أمّن لها الحماية ولعقود خلت.

ومع مرور السنوات، حاولت إسرائيل أن تعيد لنفسها صفة التفوق العسكري، لكنها فشلت مجدداً، وجاء انتصار المقاومة عقب العدوان الإسرائيلي 2006 لتكريس كسر هيبة العدو العسكرية وبالتالي انكشافه أمام جبهته الداخلية وأمام العالم بأن إسرائيل أوهن من بيت العنكبوت وبذلك تمكنت المقاومة من تغيير المعادلة التي عملت من أجلها إسرائيل في تثبيت معادلة توازن الردع وبأن الزمن قد تغير حتماً ولن يعود للوراء مرة أخرى.

التغيير بدأ أيضاً في عدوان إسرائيل على غزّة، هنا بدأ العدو الإسرائيلي يدرك أن محور المقاومة قد توسّع، وأن الطوق يضيق عليه، فبدأ بدراسة تغيير إستراتيجيته وبوضع إستراتيجية جديدة قائمة على إشعال الحروب المقبلة لكن بواسطة الأذرع والفصائل والمرتزقة المتلطية تحت شمسية الإسلام والأصولية والتي أوكل إليها مهمة كسر ظهر المقاومة، أي سورية.

خطّطت إسرائيل و​أميركا​ لاستهداف سورية وضرب العمق الإستراتيجي للمقاومة، فكانت المؤامرة الكبرى عليها وهي مستمرة، لكن سورية العروبة، سورية الجيش العربي السوري، سورية الأسد تمكنت وبكل عزم وإيمان راسخ من التصدي لتلك المؤامرة الكونية وانتصرت، وهي في الطريق إلى التعافي تمهيداً لعودتها إلى لعب دورها الفاعل في دعم المقاومة كخيار وحيد لدحر الاحتلال، وهذه المرّة ستكون ساحات المقاومة ومحورها أكبر حجماً وأكثر قوة بحيث لن يكون بإمكان العدو إسرائيلي تفادي الهزيمة المنتظرة.

المفارقة التي لا بد من التوقف عندها، أنه في حين يحتفل لبنان بهذه الذكرى المجيدة في تاريخ الأمة العربية، ومع أن الانتصار شكّل فرصة كبيرة للعرب من أجل احتضان المقاومة، وحمايتها، ودعمها، لتكون رأس الحربة في القضاء على هذا الجسم الصهيوني الغريب في عالمنا العربي، إلا أن العرب أنفسهم أو بعضهم أخذ بالتآمر على المقاومة وبأساليب جديدة، وذلك لسلب مفاعيل هذا الانتصار وتشويه معالمه التاريخية من خلال الطعن في الظهر، واللجوء إلى تشبيك الأيادي مع عدو الأمة إسرائيل والتحالف معها بهدف التخلص من المقاومة، وذلك إما بالتحريض الطائفي أو المذهبي، أو بالتحريض السياسي على المقاومة باعتبارها تعرقل مشاريعهم وخططهم المعدة سلفاً القائمة على الاعتراف والحفاظ وتثبيت هذا الكيان الصهيوني على أشلاء فلسطين العربية.

انكشفت المؤامرة، وسقطت الأقنعة، وتبيّن أن العرب، أو بعضهم، يريدون القضاء على كل مقاومة، نذرت نفسها من أجل تحرير فلسطين و​القدس​ الشريف من الاحتلال الإسرائيلي الظالم فإذا بظلم ذوي القربى أشد مضاضة.

ولأن المقاومة المدعوة من سورية باتت تشكل لعرب الخليج تهديداً حقيقياً لمخططهم الجهنمي الذي أوكل إليهم مهمة تنفيذه ببيع فلسطين وإلغاء كل الحقوق الفلسطينية والقضاء على القضية العربية وهويتها وعلى مراحل وذاك تنفيذاً لرغبة ​دونالد ترامب​ وصهره كوشنر ومجموعة الأنكلوساكسون المتصهينة داخل الإدارة الأميركية، فإذا بظلم ذوي القربى من العرب يملأ الساحات العربية في كل من اليمن وليبيا وتونس والعراق والجزائر والسودان ليتجسد الحقد والعهر العربي بظلم ليس كمثله ظلم وقع على سورية العروبة بعد الافتئات عليها وعلى شعبها العربي الصامد.

لقد أنهك عرب البترول الأسود كل العالم العربي، بدءاً من تحريض العراق في الحرب على إيران، وانتهاء باستحضار الاحتلال الأميركي لمعظم دول النفط، وانتهاء بالمؤامرة الكونية على سورية.

سقطت الأقنعة، وتبيّن أن كل نقطة دم سقطت في سورية هي في رقاب أولئك الذين حرّضوا وموّلوا وقدّموا السلاح لإشعال الفتنة في سورية بهدف الحفاظ على إسرائيل وخدمة لأميركا.

سقطت الأقنعة، وتبيّن أن بعض العرب هم مجرّد ملوك ومشايخ وأمراء وسلاطين ورؤساء أوكلت إليهم إدارة كيانات مصطنعه كانت قد فصلت وصنعت في أروقة بريطانية بهدف حراسة وتنفيذ مشروع «إسرائيل من الفرات إلى النيل».

المفارقة أننا على حين نحتفل بعيد التحرير، يتسابق بعض العرب بالتهليل إلى إنجاح «لعنة القرن» التي ستحل على العرب وتسلبهم كرامتهم ومقدّساتهم وهويتهم ومستقبل أجيالهم. وهم يتحضّرون اليوم لمؤتمر تنظمه إسرائيل في البحرين تحت راية أميركية بحجة الاستثمار في فلسطين لكن حقيقة الأمر هو مؤتمر من أجل التنازل عن فلسطين والقدس! وتسييد هذا الكيان الصهيوني على المنطقة العربية.

والمفارقة الثانية، أننا على حين نحتفل بعيد التحرير، يستنفر بعض العرب لعقد المؤتمرات العربية منها والإسلامية والخليجية كل تلك المؤتمرات من أجل حياكة مؤامرات الحرب على إيران التي دعمت المقاومة في لبنان وفلسطين، وما تزال، ولأجل القضاء على كل أشكال المقاومة تمهيداً لتنفيذ خطة «لعنة القرن» الإسرائيلية.

هذه المؤتمرات تشبه إلى حد بعيد مؤتمرات تحريض العراق ضد الثورة الإيرانية، قبل أن ينقلب هؤلاء على العراق نفسه ويستدعوا الأميركيين لاحتلاله.

لكن كل تلك المؤتمرات ـ المؤامرات لم تؤت أكلها وستسقط في مزبلة التاريخ، وستبقى المقاومة عزيزة قوية لأنها تتسلح بعزم وإيمان الشعوب، وستسقط «صفقة القرن» وأقرانها وصانعوها. لتحل لعنة القرن على كل من تسول نفسه بيع فلسطين والقدس أو على كل من تآمر على سورية والمقاومة.

لم يتعلّم هؤلاء من الدروس، وبأن الزمن قد تغيّر، وأن زمن الانكسار قد ولّى، وأن أيام التحرير ستتوالى، من لبنان إلى فلسطين إلى الجولان، وإلى كل دولة عربية خاضعة للإملاءات البريطانية الأميركية المباشرة الخانعة لإرادة العدو الإسرائيلي.

19 سنة مرّت، والمقاومة تراكم قوتها، وصارت إسرائيل تخشى توازن الرعب الذي فرضته المقاومة في لبنان وفلسطين، ولم يصدّق بعض العرب أن العرب قادرون على الانتصار، لأنهم ضعفاء النفوس، مجرد حراس وكلاء لإسرائيل، ولأنهم باعوا هويتهم وكرامتهم وتخلوا عن مقدساتهم لمصلحة عدو الأمة العربية.

في ​عيد المقاومة والتحرير​، ستبقى البوصلة نحو فلسطين، لرفع الراية فوق القدس الشريف، بعد أن يستكمل تحرير لبنان، و​مزارع شبعا​ وتلال كفرشوبا وبعد أن يتحرّر الجولان العربي.

في عيد التحرير رسالة إلى مؤتمرات التآمر على المقاومة في لبنان وفلسطين، ونقول: إن زمن الصيام عن الانتصارات قد ولى وحان وقت مدفع الإفطار على الانتصار أو ليس عيد الفطر بقريب؟