"الكذب ملح الرجال، وعيب على اللي بيصدق"

لماذا البعض مصرّ على تطبيق هذه المقولة؟

ومَن قال إن السياسة والصدق لا يلتقيان؟

***

ما مناسبة هذا الكلام؟

مناسبته ان بعض المداولات في الجلسات التسع عشرة لمجلس الوزراء، كشفت كمًا هائلًا من المواربات وعدم الصدق والمزايدات، وكأن البلد ما زال يحتمل هذا النوع من عدم الصدق.

في جلسات ​الموازنة​ يطرح كل وزير "ما له وما عليه" على مستوى وزارته. وزراء يصوِّرون الدنيا بأنها "منٌّ وسلوى" على رغم أنها لا تكون كذلك فيسقطون في ضلالهم وتضليلهم بعد ان يكونوا قد قدموا ارقامًا غير صحيحة. والوجع لا يأتي في اللحظة ذاتها ولكن بعد ان يبدأ مفعول الصرف من دون إيرادات محققة.

***

يتذكَّر الجميع أنه عند إقرار ​سلسلة الرتب والرواتب​، أُعطي رئيس الجمهورية رقمًا عن كلفتها وملفًا عن مصادر تمويلها، وحين اطمأنَّ فخامة الرئيس إلى ان الأرقام التي أُعطيت له صحيحة، عمد إلى التوقيع على السلسلة بعدما كان تريث في التوقيع إلى حين بلورة الأرقام.

***

مع ذلك ، تبيَّن أن الأرقام التي أُعطيت كانت غير دقيقة، فارتفعت الكلفة من 800 مليون ​دولار​ إلى ملياري دولار، وتبيَّن ان المستفيدين من السلسلة، وفق الأرقام التي أُعطيت لفخامة الرئيس، ليست 169 ألفًا بل 300 ألف.

هنا كانت الفضيحة الكبرى والعجز الكبير، ولكن بعد ماذا؟ بعد أن "سبق السيف العزل":

وقعت خزينة الدولة في عجز محقق لم يعد بالأمكان الخروج منه بسهولة.

إن تعليق السلسلة أو تقسيطها من شأنه أن يفجِّر الشارع من دون ضبطه.

***

كل ذلك كان بسبب خطأ في الحسابات فدفع المواطن "الحساب".

اليوم يعيد التاريخ نفسه:

عند بدء درس ارقام الموازنة، اخذ كل وزير يدلي بدلوه لجهة إيرادات وزارته، إذا كانت منتجة، ولجهة نفقاتها:

كانت لوزير الإتصالات الجرأة في أن يكون صادقًا وشفافًا، خصوصًا ان الصدق والشفافية يحتاجان هذه الأيام إلى جرأة في ظل المراوغة والتضليل السائدَيْن:

قالها بالفم الملآن : إن تحويلات عائدات ​قطاع الخليوي​ للخزينة ستنخفض نحو 200 مليار ليرة بسبب تراجع العائدات، وذلك بسبب اقبال المشتركين على استعمال خدمة "واتس اب" للاتصال بدل الاتصالات العادية الأعلى كلفة.

هذه الجرأة وهذه الشفافية من الوزير ​محمد شقير​، كان لا بد منها كي يعرف مجلس الوزراء مجتمعًا حقيقة الأرقام وكي "لا يتطابق حقل الوعود مع بيدر الأرقام".

لو لم يقل الوزير شقير ما قاله، وترك الأمور تمشي على غاربها لكان عوتِب بعد فترة بحجة انه قد قدَّم أرقامًا فضفاضة، لكن الأفضل ان يكون شفافًا من أول الطريق لا أن تأتي الأرقام مغلوطة لاحقًا.

***

لم يكتفِ الوزير شقير بهذه الخطوة، بل سبق له أن أجرى مجموعة خطوات كان من شأنها أن تساهم في مجموعة من الإيرادات، ومن أهم هذه الخطوات:

إخلاء مباني المكاتب البريدية والشقق المستأجرة من قبل ​وزارة الاتصالات​ - المديرية العامة للبريد على كافة الاراضي اللبنانية"، خصوصًا ان هذه المكاتب لم تستخدم منذ سنوات. ووضع هذا القرار في إطار سعيه لوقف هدر المال العام وزيادة انتاجية وزارة الاتصالات.

***

إعادة النظر بملفات الموظفين الـ500 في شركتي "تاتش" و"الفا" لاعادة توزيعهم على الوزارات.

خفض عقود الإيجار المبرمة لإقامة الأبراج التي تستخدمها شركتا ​الهواتف الخليوية​ بنسبة تتراوح بين ٢٠ % و٣٠%.

خفض عقود الصيانة بين ١٠ و٢٠% وخفض قيمة مخصصات الرعاية التي تقوم بها شركتا الهواتف الخليوية بنسبة ٥٠%.

***

في عمر المئة يوم للحكومة، هذا غيضٌ مما أنجزه وزير الإتصالات الشفاف الصديق محمد شقير.

ويا ليتنا نَنْعم بوزراء أكثر وأفضل، همهمّ كل الناس والإصلاح.

شكراً محمد نزار شقير.