لفت وزير المال ​علي حسن خليل​، في مؤتمر صحافي بعد إنتهاء جلسة ​مجلس الوزراء​ الى "أننا أنهينا عشرين جلسة لمناقشة مشروع موازنة العام 2019، وهو أمر غير مسبوق في مناقشة الموازنات ومقاربة كل الملف ​الاقتصاد​ي والمالي، استجابة للتحديات الكبيرة التي يعاني منها البلد على صعيد المال، والاقتصاد، والمؤسسات. وجاءت هذه ​الموازنة​ ونقاشها في ظرف اقتصادي ومالي ضاغط جداً، بعدما مررنا في العام 2018 بظروف استثنائية، من تأخير تشكيل ​الحكومة​ بعد اجراء ​الانتخابات النيابية​، وضغوطات مختلفة، وأزمات المنطقة، ادت كلها الى رفع ​العجز​ الفعلي في الموازنة الى ما يقارب 11.4 في المئة"، مشيرا الى أن "هذه الموازنة جاءت في سياق مالي متضخم، من دين عام كبير وما زال يكبر، وخدمة دين تكبر بدورها. من هنا كان لدينا تحد كبير جداً بأن نعمل على تخفيض نسبة العجز في هذه الموازنة الى اقصى حد ممكن، وفي الوقت نفسه نعمل على اقرار خطوات اصلاحية بنيوية في المجالات التي تشكل العناصر الاساسية للموازنة".

وأوضح خليل أن "نسبة 35 في المئة من الموازنة تذهب الى الرواتب والمخصصات ومعاشات التقاعد، و35 في المئة خدمة دين عام، و11 في المئة عجز كهرباء، وما يقارب 9 في المئة انفاق استثماري، والباقي نفقات تشغيلية للدولة"، مبينا أنه "من هنا كان التركيز على معالجة كل النقاط الاساسية في هذه الموازنة. تم بحث موضوع خدمة ​الدين العام​، واعادة النظر في مجموعة من الامور التي ترتبط بحوافز ومخصصات اضافية وتعويضات غير مبررة. ومن جهة اخرى تم اقرار ​خطة الكهرباء​ والبدء بتخفيض عجز هذا القطاع. كنا تقدمنا بمجموعة من مشاريع القوانين المستقلة، ارتأى مجلس الوزراء خلال نقاشاته ان نقتطع بعضاً من موادها لنضمّنها في مشروع الموازنة، إضافة الى الاخذ في الاعتبار ببعض المقترحات التي تقدم بها الوزراء".

وشدد على "أننا امام تحول استثنائي مهم جداً واساسي حصل في مشروع هذا العام، على صعيد تخفيض النفقات، وزيادة الواردات والمواد الاضافية في الموازنة التي تؤسس لمعالجة بعض من الخلل في الوضعين الاقتصادي والمالي، وتؤسس ايضا لموازنة في العامين 2020 و2021 تكمل ما بدأنا به"، مضيفا: "لذا علينا ان ننظر الى هذه الموازنة في السياق الذي بدأنا به، بالتحضير لموازنة العامين المقبلين. هناك امور كثيرة ستستكمل في الموازنات المقبلة، وقرارات في مجلس الوزراء اتفقنا عليها ويجب ان تترجم ايضا نتائج ايجابية ومباشرة على المستوى المالي والاقتصادي"، مذكرا أن "الانفاق في هذه الموازنة وصل الى 23140 مليار ليرة ​لبنان​ية، نضيف اليه 2500 مليار سلفة لدعم ​كهرباء لبنان​. في المقابل لدينا واردات تبلغ 19016 مليار ليرة، بزيادة ايضا عما كان مقررا سابقا، فتصبح نسبة العجز بالمقارنة مع الناتج المحلي 7.59 في المئة، وهو رقم مرض جدا يعبّر عن التزام حقيقي حصل في ​النقاش​ات خلال الاسابيع الماضية، ويعكس ايضا ارادة حقيقية عند الحكومة بأن تسيرعلى طريق تصحيحالوضع المالي".

وأكد خليل أن "هذا الرقم مهم بقدر ما يمكن للدولة والحكومة الالتزام به، ومن هنا اقول اننا سنعمل كوزارة مال بأعلى درجات الجدية للبقاء بحدود نسبة العجز المقدرة تماما كما وردت اليوم في هذا المشروع، خاصة اننا بنينا هذا الامر على نسبة نمو محدودة تبلغ 1.2 في المئة للناتج المحلي، ليصل الى ما يقارب 90 الف مليار"، متوقعا أن "اي عنصر ايجابي يطرأ على الوضع العام، يمكن ان يساهم في الحفاظ على هذا الرقم، لا بل يمكن ان يحسنه. وفي الوقت نفسه، نحن نرسل رسالة واضحة الى ​المجتمع الدولي​، وكل الصناديق الملتزمة بالوقوف الى جانب لبنان، بأننا جديون في هذا المجال وبالتالي سيترجم هذا الامر بضخ واطلاق مشاريع استثمارية جديدة سيكون لها اثر كبير على تحريك عجلة الاقتصاد".

وأشار الى "أننا في مسار لاقرار مجموعة من القوانين المكملة للوصول الى افضل واعلى المعايير في الالتزام بما قررناه، اقله عبر اقرار قانونين: قانون الشراء العام والمناقصات، وقد انجزته ​وزارة المال​ية مع دفاتر شروط نموذجية ورفعته إلى مجلس الوزراء، واعتقد انه في اقرب جلسة وبعد التنسيق مع وزارة التنمية الادارية، سيقر المشروع ويحال الى ​المجلس النيابي​. اضافة الى اقرار قانون تحديث ​الجمارك​ وفق المعايير التي تسمح اكثر فاكثر بتعزيز الانضباط ومنع التهريب الجمركي.في هذا المجال ايضا هناك قرارات لمجلس الوزراء وتوصيات صدرت خلال هذه الجلسات، بأن نضع موضع التنفيذ مجموعة من الاجراءات المتعلقة بمجال ضبط التهريب الجمركي الى اقصى حد".

وشدد خليل على "أننا معنيون بأن نعمل بشكل جدي على اجراءات تساعد على التحسين في ميزان المدفوعات، انطلاقا من تحسين العجز في الميزان التجاري. هناك خطوات أقريناها مع بعض الملاحظات والتحفظات عليها، ولكن علي ان اذكر ان الحكومة اتخذت هذه الاجراءات، وآمل ان تؤدي الغرض منها، ويجب ان تستكمل بالتركيز على دعم القطاعات الانتاجية في ​الزراعة​ و​الصناعة​، وبالتالي تخفيف التركيز على الاستيراد من الخارج وتقليص حجم استنزاف العملات الاجنبية من لبنان الى الخارج"، لافتا الى أن "عجزنا اليوم في الميزان التجاري كبير جداً، فقد استوردنا في العام 2018 ما يقارب 20 مليار ​دولار​، ولم نصدر اكثر من 3.8 مليار دولار، وبالتالي هذا العجز يضغط على الاحتياط بالعملات الاجنبية لدينا. سنكون امام فرصة لتشريح موضوع الموازنة في مناسبات اخرى، لكنني اود القول انه في جلسة اليوم كان هناك عرض سريع لها وجرى الاستماع الى بعض الملاحظات، وتم اقرار الموازنة تماما كما احيلت بعد الجلسة الاخيرة في ​السراي الحكومي​، ولم يطرأ اي تعديل عليها، لا في الارقام ولا في المواد. اقرت كما هي، وعكست الالتزام الذي ابداه الوزراء خلال الاسابيع الماضية".

وردا على سؤال حول ما إذا ستقر الموازنة في ​مجلس النواب​ دون قطع حساب، قال: "ذكّرت في بداية الجلسة ان وزارة المال احالت الى ​ديوان المحاسبة​، منذ اشهر، مشروع قطوعات الحساب منذ العام 1993 وحتى العام 2017، وقد سمعنا من فخامة الرئيس ودولة الرئيس وجوب حث ومتابعة عمل ديوان المحاسبة من اجل انجاز قطوعات الحساب بالتوازي مع عمل مجلس النواب لاقرار الموازنة وفق الاصول، وهذا ما نطمح اليه"، مشيرا الى أنه "في ما يتعلق بموضوع الرواتب، فقد ثبت ان كل ما اشيع حول هذا الموضوع في الايام الماضية والمس بحقوق العسكريين والموظفين في الادارة و​الاساتذة​ وغيرها كان غير واقعي، واكد ما قلناهان لا صحة لكل الكلام المتعلق بتخفيض الرواتب والمخصصات لهذه الشريحة".

وحول ماذا يعني الحديث عن المخصصات، بين خليل أن "المقصود بهذا التعبير هو رواتب السلطات. اما ما تم تعديله فهو مجموع التقديمات والاضافات والتعويضات عن العمل الاضافي الذي كانت تقدّم وفيها مبالغات كثيرة، وقد تضمن مشروع الموازنة بنداً يحدد سقفها الاعلى بـ75 % من راتب الموظف"، مشيرا الى أنه "في ما يتعلق بالتدبير رقم 3، ان كل ما اثير من ضجة حوله كان يمكن تفاديه لو تمت قراءة ما رفعته وزارة المال سابقاً في هذا الشأن والذي تمت العودة اليه حالياً. فقد قلنا ان على الحكومة ان تعيد النظر خلال ستة اشهر، في كل التدابير الاستثنائية، وللاسف استغرقنا نحو 20 جلسة للعودة الى الموضوع نفسه، فهي مسألة تناقش في ​المجلس الاعلى للدفاع​ وترفع الى الحكومة لتحديد آلية تطبيق التدبير رقم 3".

وأعلن أن "الموازنة لم تقارب هذا الموضوع ان من الناحية المالية او الصياغة القانونية، فهو امر متروك للمناقشة في المجلس الاعلى للدفاع واحالته الى الحكومة لاصدار مرسوم ينظم كيفية توزيع القوى العسكرية والامنية على التدابير رقم 1 ورقم 2 ورقم3، مضيفا: "اما حول الواردات، فخلال النقاش يتم تخفيضها او زيادتها. وفي بداية النقاش، افاد وزير الاتصالات انه لن يكون من الممكن الوصول الى الرقم الموضوع وهو 1900 مليار لوزارته، وتم تخفيض ما يقارب 150 مليار. وانا كوزير مال عليّ ان اتعامل مع الارقام الواردة من الوزارات وفق تقديرها كي لا يكون هناك تقدير لواردات لا يمكن تحقيقها، لانه اذا اخذنا الاقل وحققنا الاكثر فنكون قد انجزنا امراً مهماً دون اي ارباك".

وفي موضوع ​وزارة المهجرين​، فجزم أنه "لم يحصل اي امر استثنائي، فهناك خطة موضوعة لم يناقشها مجلس الوزراء، ولكن كي لا يتعطل عمل الوزارة، تم تخصيص مبلغ 40 مليار ليرة في موازنة العام 2019 لتعمل بها لان الخطة هي اقفال هذا الملف، واذا كان هذا المبلغ يصب في هذه الخانة، فكون عملنا ايجابياُ وليس سلبياً".

وعن اقتراح التخفيض للجيش وفق الخطة الخمسية، فأشار الى أن "هناك اصرارا على ما يبدو لدى بعض الصحف من اجل خلق اشكالات. وفي موضوع الجيش، تم اقرار ما اعدته ​وزارة الدفاع​ دون تغيير، وكما وافقت عليه ​قيادة الجيش​. اما الاموال التي ارجئت الى السنوات المقبلة في قانون البرنامج، فسبب هذا التأجيل يعود الى وجود مبالغ مدوّرة من السنوات الماضية لم تنفق، وبالتالي يمكن انفاقها هذا العام وعقدها وفق الاصول بالكامل، اضافة الى ان قانون البرنامج يتضمن مادة تنص على امكان عقد كامل مبالغ القانون حتى دون توفر الاعتمادات".

وعما إذا هناك أي تخوف من ضرائب غير مباشرة، فأعلن خليل أنه "لم يعد هناك من مجال للتخوف من بعيد. هذه هي الارقام وليس هناك اي ضريبة. هناك رسم اقرّ على المواد المستوردة ويبلغ 2 في المئة، وكنت قد صوّت ضد اقراره، ولكنني الآن اعكس وجهة نظر الحكومة. وكنت شخصياً مع التركيز على فرض رسوم نوعية على كل المواد المستوردة التي تنتج او يمكن انتاجها في لبنان صناعية كانت ام زراعية، وهذه الرسوم يمكن ان تكون مرتفعة الى حد يدفع الى تشجيع الانتاج الوطني ويعيد تحسين الخلل الكبير في الميزان التجاري. ولكن القرار لمجلس الوزراء، ونحن ملتزمون تطبيق هذا الامر وفق الاصول والمعايير العلمية"، مشددا على أن "تخفيض العجز حاجة وطنية قبل ان يكون مرتبطاً بـ"سيدر" او غيره، ولكن من المؤكد ان هناك نظرة ايجابية من كل المعنيين في الخارج الى ما تم تحقيقه على هذا الصعيد ان لناحية الخطوات الاصلاحية او لجهة مستوى تخفيض العجز".