انشغل اللبنانيون خلال عطلة نهاية الأسبوع بسجال جديد بين "​التيار الوطني الحر​" و"​القوات اللبنانية​" شكّلت وسائل التواصل الاجتماعي ساحته الميدانيّة، ولعب وزيرا المهجرين غسان عطا الله والشؤون الاجتماعية ​ريشار قيومجيان​ أدوار البطولة فيه، مع أدوار مساندة من "الجيوش الافتراضية" للجانبين.

لم يكن السجال بين عطالله وقيومجيان الأول بين "التيار" و"القوات" في الآونة الأخيرة، بل بدا في مكانٍ ما وكأنّه محاولة من قيومجيان لـ"ردّ الاعتبار" بعد سجاله الشهير مع وزير الخارجية ​جبران باسيل​ حول وزارته والجمعيّات "الوهمية"، علماً أنّ طاولة مجلس الوزراء شهدت على وقع مناقشة ​الموازنة​، سجالاتٍ بالجملة بين الجانبيْن.

وإذا كان "تفاهم معراب" أصبح من الماضي في ضوء "النكايات المتبادلة" التي لم تترك لـ"الصلح" مكاناً بين "التيار" و"القوات"، ثمّة من يعتقد بأنّ ما يمكن وصفه بـ"العواصف" الآتية، في إشارة إلى الاستحقاقات المقبلة، يمكن أن تنجح في ما عجز عنه التفاهم، فهل يتّحد "التيار" و"القوات" بعنوان المواجهة؟!.

"استفزازات" متبادلة

لا يكاد يمرّ يوم من دون أن يستوقف اللبنانيين اشتباك كلاميّ جديد بين نواب ووزراء "التيار الوطني الحر" و"القوات اللبنانية"، اشتباكاتٌ يبدو واضحاً بأنّ وتيرتها ارتفعت أخيراً، ووصلت إلى أوجها خلال جلسات مناقشة الموازنة، لدرجة تحوّل معها التوافق على بعض النقاط التي وردت في الورقة الاقتصاديّة التي قدّمها الوزير باسيل إلى مادة تجاذب حادّة، على خلفية من طرح هذه الأفكار أولاً، وقبل غيره.

ومع أنّ الخلافات بين "التيار" و"القوات" سابقة للموازنة ولاحقة لها بطبيعة الحال، ويذكر اللبنانيون جيّداً جولات "الكباش" العنيفة بين الجانبين قبيل وبعيد تشكيل الحكومة مثلاً، فإنّ الجانبيْن يواصلان لعبة تقاذف كرة المسؤولية عن تفاقم الخلافات بينهما في الآونة الأخيرة على رغم المصالحة التي أبرماها سابقاً، والتي يصرّان على أنّها "استراتيجيّة"، وعلى رغم "شراكتهما" في حكومةٍ واحدةٍ.

وفي هذا السياق، يتّهم كلّ طرفٍ الآخر بـ"الاستفزاز" من خلال العديد من الممارسات، التي دلّت على وجود "نَفَس شعبويّ" لا يسعى لتسجيل النقاط فحسب، بل للتشويش على الآخر بكل ما أوتي من قوة، للظهور بمظهر "البطل" إن جاز التعبير. ويستشهد "العونيّون" مثلاً بالسجال الأخير الذي دار بين قيومجيان وعطالله للإشارة إلى أنّ الأخير كان البادئ، وبطريقةٍ مستغرَبة ومستهجَنة، إذ بدل أن يعترض على عدم إنهاء ملف المهجّرين الذي يعني حزبه قبل غيره، أو على سوء إدارته لعقود، اعترض على تخصيص مبلغٍ معيّنٍ ضمن الموازنة لوزارة المهجّرين لتطبيق ما وعدت الحكومة به في بيانها الوزاريّ.

وفي حين يضع "القواتيون" مثل هذه القراءة في إطار "الاستعراضات"، يعتبرون أنّها تندرج في خانة "التضليل" التي يعتمدها "التيار"، عبر تحريف كلّ اعتراض على سلوكيّاته، تارةً بالإيحاء بأنّه ضدّ "العهد القوي"، وطوراً بإعطائه أبعاداً غير حقيقيّة. ويذكّرون بالهجوم الذي يتعرّض له وزراء "القوات" في المقابل، كما حصل مع قيومجيان مثلاً قبل أيام على خلفيّة مشابهة، حين كان يطلب تخصيص مبلغ معيّن لوزارته أيضاً، أو ما يحصل مع وزيرة الدولة لشؤون التنمية الإدارية مي شدياق بشكلٍ دوريّ، من إساءاتٍ وإهاناتٍ، تارةً بسبب صورة، وطوراً بسبب تصريح، وكأنّ المطلوب المصادقة على كلّ ما يقوله باسيل.

في الاتحاد قوة!

على رغم كلّ هذه الخلافات، والتي توحي في مكانٍ ما بأنّ "المساكنة" بين "التيار" و"القوات" لم تعد بحدّ ذاتها ممكنة، أو حتى واردة، ثمّة من يراهن اليوم على اتفاقٍ بين قيادتي الجانبين، أقلّه لمواجهة الاستحقاقات المقبلة، سواء في الداخل أو في الخارج، على غرار ما يُعَدّ للبنان في إطار "صفقة القرن"، وعودة الحديث عن خطر التوطين، وصولاً إلى قانون الانتخابات والتعديلات المطروحة عليه. لكن، وعلى رغم أنّ هذه الملفات يفترض أن تجمع "التيار" و"القوات" على كلمة واحدة، فإنّ الاختلاف في المقاربة يبقى طاغياً.

فبالنسبة إلى الملف الأول، بدا واضحاً خلال عطلة نهاية الأسبوع أنّه عاد ليتصدّر الاهتمام، في ضوء التحضيرات لـ"مؤتمر المنامة" الخاص بالاستعدادات الاقتصادية والاستثمارية للاقتصاد الفلسطيني، تمهيداً لإطلاق "صفقة القرن"، وسط علامات استفهامٍ عن موقع لبنان منها. وفيما كان لافتاً الكلام الصريح للأمين العام لـ"حزب الله" ​السيد حسن نصر الله​ من أنّ المسألة الأهمّ التي قد يؤدّي إليها المؤتمر هي توطين الفلسطينيين في لبنان وبلدان أخرى، كان لافتاً أكثر تلقّف الوزير جبران باسيل للكرة، من خلال إعلانه من البقاع أنّ اللبنانيين سيُسقِطون مخطط التوطين. وإذا كانت "القوات" تقف مبدئياً إلى جانب باسيل في مثل هذه المواجهة، فإنّ مقاربتها بدت مختلفة، مع ما سرّبته أوساطها خلال الساعات الماضية، من وضع الملف في إطار "المزايدات" ليس إلا، والتشديد على أنّ "التوطين غير مطروح"، وذلك على رغم كلّ المؤشرات غير المطمئنة الظاهرة في المنطقة، وعلى وقع زيارات الموفَدين الأميركيين المتكرّرة إلى لبنان، وما يُحكى عن "إغراءات" باتت تُقدَّم علَناً إلى لبنان، لإنقاذ اقتصاده مقابل "تضحياتٍ" لا بدّ ان يقدّمها.

ومن خطر التوطين، إلى "خطر" قانون الانتخاب، إن جاز التعبير، والذي لوّحت به الصيغة التي طرحها رئيس مجلس النواب ​نبيه بري​ خلال الفترة الأخيرة، والتي يفترض أيضاً أن توحّد "التيار" و"القوات" في رفضها، بل أن تعيد رسم جبهة مسيحيّة عريضة، تجمع إلى جانبهما حزب "الكتائب" وسائر القوى المتضرّرة من طرح لبنان دائرة انتخابية واحدة، انطلاقاً من الخصوصيّة اللبنانيّة وهواجس الديموغرافيا وغيرها. ولكن، يبدو هنا أيضاً، أنّ أحداً لا يريد مثل هذه الجبهة في هذا الظرف، بدليل غضّ "التيار" و"القوات" الطرف عن الملفّ حتى الساعة، على رغم أنّ علامات استفهامٍ تدور في أوساطهما عن مغزى طرحه في هذا التوقيت "المريب"، علماً أنّ باسيل كان ينتظر الوقت المناسب لطرح تعديلاتٍ على القانون الحاليّ، لا نسفه عن بكرة أبيه.

توافق على الاختلاف؟!

لا شكّ أنّ "التيار" و"القوات" يتفقان في مقاربة الكثير من الملفات والاستحقاقات، وملف اللاجئين والنازحين على رأسها، خصوصاً لجهة رفض التوطين بكلّ أشكاله، تماماً كما يتّفقان أيضاً في مقاربة ملف النزوح، وضرورة عودة كلّ النازحين إلى بلادهم، وإن كانا يختلفان في تشخيص سبب الداء، ومن يتحمّل مسؤولية تفاقمه.

ولا شكّ أيضاً أنّ الاتفاق بين الجانبين لا يقتصر على الأمور الاستراتيجية، بل يشمل أيضاً العديد من استحقاقات الداخل، وبينها ملف قانون الانتخاب، في ضوء رفضهما لأيّ قانون يعتمد لبنان دائرة انتخابية واحدة، وبالتالي تمسّكهما بالقانون الذي جرت على أساسه الانتخابات الأخيرة، مع إمكان إدخال بعض التعديلاتٍ عليه، باعتباره "أفضل الممكن"، وحقّق للمسيحيين قفزة نوعيّة لناحية التمثيل الحقيقي.

لكن، قبل هذا وذاك، لا شكّ أنّ "التيار" و"القوات" يسعيان اليوم إلى الاستثمار أكثر في خلافهما، في ضوء قناعتهما بأنّه يملك من "الشعبويّة" أكثر من أيّ اتفاقٍ آني، وبأنّ توظيفه سياسياً يبقى مُتاحاً في أيّ وقت. ولعلّ هذا التوافق على الاختلاف، قد يكون العامل الوحيد الذي يجمع "التيار" و"القوات" في الظرف الراهن، أقلّه حتى إشعارٍ آخر قد لا يأتي قبل المعركة الرئاسية المقبلة...