انه قدر كل مشروع اساسي ينتظره ​لبنان​، ان تتم معاملته كالمرأة الزانية في زمن القساوة الغابر حيث كانت ترشق بالحجارة. الحديث هنا يتناول مشروع ​الموازنة​ الذي تمّ اقراره في ​مجلس الوزراء​، والذي ابحر الى ​مجلس النواب​ بانتظار مصيره، ولكنه لم يُرحم (بضم الياء) وتعرّض لوابل من الحجارة من معارضيه، كما ممّن ساهم في ابصاره النور، على غرار ما شهده قانون الانتخاب قبله.

الواقع يفيد ان هذا المشروع سيصل الى شاطى التنفيذ لسببين اساسيين: الاول هو توافق القوى السياسية عليه وهي ممثلة بغالبيتها في الحكومة، ولم تكن الموازنة لتظهر لولا هذا التوافق.

اما السبب الثاني فيكمن في الترحيب الدولي السريع بالمشروع والحثّ على تطبيقه.

هذا باختصار احد ابرز اسباب ترجيح عدم التأخير في اقرار الموازنة في مجلس النواب، فيما التوقعات ستختلف بين الايجابي والسلبي باختلاف المصادر والرؤية.

وكي لا نتعدى على صلاحيات خبراء الاقتصاد والضالعين في الارقام والشؤون الماليّة، لا بد من التوقف عند تأثير معنوي مهم سيصبّ في خانة رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة كمستفيدين اساسيين من ضمن المستفيدين الآخرين.

ف​الرئيس ميشال عون​ سيشدد على أنّ حكومة العهد الاولى (كما رغب في تسميتها)، حققت انجازا عبر وضع موازنة مختلفة كليا عن كل الموازنات السابقة، وهي بحلوها ومرها ستشكل قاعدة انطلاق للموازنات المقبلة، والرهان على نهضة اقتصادية ومالية. وهذا ما دفع الحكومة الى اخراج الموازنة من بعبدا بعد الانتهاء منها في السراي.

في المقابل، سيطل رئيس الحكومة ​سعد الحريري​ على الداخل والخارج كشخصية اقتصادية اكثر منها سياسية نجحت في وضع لبنان على المسار الصحيح للنهوض، وهو امر سينعكس حتما على وضعه المالي والاقتصادي بشكل عام.

نجحت الموازنة في خطف الانظار والاهتمام، وهي اتت على وقع تظاهرات وتحركات لقطاعات ومجموعات مختلفة، غالبيتها كانت اشبه بـ"موضة" للتظاهر فقط، فيما القليل القليل منها كان صادقا في مسعاه. من هنا، يجب على الدولة ان تستعيد ثقة المواطن، عبر تدابير تؤمن تنفيذ الكلام الجميل الذي قيل على لسان المسؤولين بعد تخطّي الموازنة عقبة الحكومة، واظهار ان الروحيّة الجديدة في التعاطي لا تقتصر فقط على الكلام و"التنظير" بل ستتعداه الى التطبيق الملموس. وهذا المبتغى لا يكون الا عبر البدء بعقليّة جديدة في التعاطي المسؤول مع كل المواضيع، فالنهوض عملية متكاملة لا يمكن الانتقاص منها ان عبر تعزيز القضاء او عبر تحسين الاقتصاد والامن او عبر تأمين المطالب الحياتية اليومية للمواطن بما فيها البنى التحتية التي باتت في غياهب النسيان.

وعود كثيرة طرحت في الآونة الاخيرة، وقد يكون البعض من المسؤولين يعتبر ان اللجوء الى الطريقة اللبنانية يشكّل حلاً مرضياً للجميع، بمعنى ان الرغبة في العزم والجدية تكون خلال فترة زمنية قصيرة، تعود بعدها الامور الى ما كانت عليه سابقاً وربما تستفحل اكثر فأكثر الى حدّ يصبح من المستحيل ضبطها واصلاح الوضع. هذا الطرح جدّي ويمكن تطبيقه في ظل لامبالاة الشعب، ولكن لمصلحة من الاستمرار في اذية البلد والناس؟ وهل سيجد هذا البعض من "يستغلّه" في المستقبل اذا بات البلد منهاراً وغادرته شريحة كبيرة من سكانه؟ وهل المطلوب فعلاً افراغ لبنان من اللبنانيين؟ لن نذهب في التشاؤم الى النهاية، ولكن من المنطقي واللازم طرح مثل هذه الاسئلة لان الصورة التي رسمها لنا المسؤولون عن هذه الموازنة وما سيليها كبيرة وزاهية ومن شأنها ان تصيب الكثيرين بخيبة امل اذا لم تتحقق.

التجارب السابقة لا توحي للمواطن بالثقة، ولكن "ما اضيق العيش لولا فسحة الامل" الذي يبقى قائماً اذا ما طابق حساب الحقل حسابات البيدر.