في خطابه الأخير، يوم 25 أيار الجاري، طرح أمين عام "​حزب الله​" ​السيد حسن نصرالله​ عقد لقاء رسمي لبناني–فلسطيني، لمواجهة خطر ​التوطين​ "الزاحف"، إنطلاقاً ممّا بدأ يتسرّب عن "​صفقة القرن​" التي تنوي الإدارة الأميركيّة برئاسة ​دونالد ترامب​ طرحها، في سياق تسوية الصراع الفلسطيني–ال​إسرائيل​ي.

هذه الدعوة حظيت بإهتمام فلسطيني كبير، حيث سارعت معظم القيادات إلى الترحيب بها، إنطلاقاً من تمسّكها بحق عودة اللاجئين إلى بلادهم، لكن حتى اليوم لم تظهر الترجمة العمليّة لهذه الخطوة، بالرغم من إجماع المعنيين على ضرورة الإنطلاق إلى مرحلة الخطوات الفعلية، نظراً إلى أن ترامب يعتمد سياسة الأمر الواقع، وهو ما ظهر من خلال إعترافه بالقدس عاصمة لإسرائيل، ثم بالسيادة الإسرائيليّة على ​الجولان​ السوري المحتلّ.

في هذا السياق، تبدي مصادر فلسطينيّة مطّلعة، عبر "النشرة"، إستعدادها لأيّ طرح يقدّم من الجانب اللبناني على هذا الصعيد، خصوصاً أن جميع الفصائل الفلسطينيّة مجمعة على رفض أيّ مشروع توطين مهما كان الثمن، لكنها تؤكد أنه حتى الساعة لم تقدّم أيّ مبادرة عمليّة تترجم الدعوة التي تقدم بها أمين عام "حزب الله".

وتشير هذه المصادر إلى أنّ تعليمات القيادة الفلسطينيّة واضحة في هذا المجال، لناحية التعاون الكامل مع السلطات اللبنانيّة، وتشدّد على عدم وجود أيّ خلاف حول هذا الموضوع، بل على العكس قد يكون أكثر الملفات الّتي تحظى بإجماع لبناني فلسطيني، لا سيما أنّ موقف السلطة الفلسطينيّة بقيادة محمود عباس واضح على هذا الصعيد.

في المقلب اللبناني، تؤكّد مصادر مطلعة، عبر "النشرة"، أنّ هناك إجماعاً وطنياً على رفض التوطين، خصوصاً أن لا مصلحة لأيّ فريق سياسي بدعم مثل هكذا خيار، وتشير إلى أنّ الدستور اللبناني واضح على هذا الصعيد، وبالتّالي لا يمكن أن يمرّ أيّ مشروع دون تعديل له يتطلب أغلبيّة الثلثين في المجلس النّيابي، الأمر الذي ترى أنّه من المستحيلات.

على الرغم من ذلك، تشدّد المصادر نفسها على أنّ خطر التوطين قائم لا يمكن تجاهله أو التعامل معه بمرونة، نظراً إلى أن "صفقة القرن" تشمل توطين اللاجئين في الأماكن التي يتواجدون فيها أو نقلهم إلى دول أخرى، وبالتالي من المفترض رفع مستوى التنسيق مع الجانب الفلسطيني في المرحلة الراهنة، وتضيف: "لا يمكن ترك الموضوع في إطار لجنة الحوار اللبناني الفلسطيني فقط، بل المطلوب أن يكون على مستوى أكبر، ولا شيء يمنع أن يكون الموقف موحدا، لا سيّما لناحية التنسيق مع دول أخرى عربيّة أو أجنبيّة".

على المستوى العملي، تشير أوساط متابعة، عبر "النشرة"، إلى أن مرحلة التنفيذ، في حال التوافق أن تكون على المستوى الرسمي، من المفترض أن تحصل بين الدولة اللبنانية والسفارة الفلسطينية في لبنان أو بين الأولى وهيئة العمل الفلسطيني المشترك التي تضم كل الفصائل، نظراً إلى أن المرجعية الفلسطينيّة بالنسبة إلى اللاجئين في الشتات هي منظمة التحرير، بينما حركة "حماس" خارجها، ولبنان في كل القضايا الحساسة يعتمد هذين المستويين، وبالتالي لا يمكن الحديث عن حوار بين الحكومتين.

في هذا الإطار، يؤكّد ممثل حركة "حماس" في لبنان ​أحمد عبد الهادي​، في حديث لـ"النشرة"، أن القوى الفلسطينية تنظر إلى دعوة السيد نصرالله بأهميّة كبيرة، خصوصاً أن تقدير الموقف بخصوص إسقاطات "صفقة القرن" على الساحة اللبنانيّة مشترك مع ما عبر عنه أمين عام "حزب الله"، ويرى أنها تشكل غطاءً هاما جداً وضروريا في هذه المرحلة.

ويكشف عبد الهادي أنّ ​الفصائل الفلسطينية​ في صدد التواصل مع الحزب للتشاور حول كيفية تحويل هذه الدعوة إلى خطوات عمليّة وبرامج عمل، بدءاً من حوار لبناني-فلسطيني رفيع المستوى، كما وصفه السيد نصرالله، ينبثق عنه أطر مشتركة لمواجهة مشروع التوطين و"صفقة القرن".

وفي حين يؤكّد عبد الهادي أن مقدرات الولايات المتحدة ومن يقف معها في "صفقة القرن" كبيرة جداً، الا أنّ هذا الواقع لم يكن في أي مرة قدراً فرض نفسه على الأرض، ويشير إلى أن السعي إلى شطب القضية الفلسطينية قائم منذ سنوات طويلة، لكن الشعب الفلسطيني كان دائماً يقاوم ويواجه كل المشاريع، ويضيف: "صفقة القرن، وإن كانت تأتي في مرحلة حسّاسة ودقيقة على مستوى العالمين العربي والإسلامي والوضع في المنطقة لصالح الولايات المتحدة والكيان الصهيوني، فإننا لا نزال نملك أوراقا، ونستطيع أن نقاوم على الأقل والمستقبل بيد الله".

في المحصلة، الأيّام المقبلة من المفترض أن تحمل معها بوادر إطار مشترك لتحويل دعوة السيّد نصرالله إلى خطوات عمليّة، هدفها الأساسي مواجهة خطر التوطين، في ظلّ المعلومات عن أن ما تخطّط له الإدارة الأميركية لا يبشّر بالخير.