"لن نتفاوض تحت الضغط"، هكذا ما يكرّره في كل المناسبات المسؤولون في ​إيران​. وكما كان متوقعاً، خاب أمل الرئيس الأميركي ​دونالد ترامب​ في خنق الجمهورية الإسلاميّة إقتصادياً بعد تشديد العقوبات، ولكنها لم تمرّ مرور الكرام أيضا، اذ انه ورغم تعوّد طهران على مثل هذه الإجراءات منذ نجاح الثورة الإسلاميّة في بداية العام 1979، إلا أنّ العقوبات هذه المرّة لم تكن كسابقاتها نسبة للألم الذي تركته في أوساط الشعب الإيراني، وبعدما شملت كل القطاعات المعيشيّة والخدماتيّة والاجتماعيّة.

لذا، لن تبرد الأجواء في المنطقة إلا في حالة واحدة: إلغاء الشروط الـ12* التي وضعها ترامب عند انسحابه من ​الاتفاق النووي الإيراني​، الجلوس حول طاولة للحوار على مبدأ التساوي بين الطرفين، وضمان عدم انسحاب ​أميركا​ من أيّ اتّفاق جديد كما فعلت في الاتفاق الأخير. فكيف هو المشهد العام اليوم؟.

باتت إيران عملياً، بحسب مصادر متابعة، في عنق الزجاجة وأمامها خياران، إما الخروج بحلّ يفجّر "زجاجة الأزمات"، وإما العودة الى قاع الزجاجة. وتضيف عبر "النشرة": "يرى البعض أن الحلول باتت قريبة في ظل الخطابات المعتدلة التي يصدرها ترامب تجاه إيران والمتعلّقة بالرغبة في الحوار، إلا أنّ البعض الآخر يستبعد فكرة الحوار مطلقاً بين طهران وواشنطن، على مبدأ أن ما صدر عن المرشد الأعلى السيد ​علي خامنئي​ كافٍ لتأكيد ابتعاد أيّ تفاوض، فالرجل الاقوى بالجمهورية الاسلامية لا يزال مصرا على رفض التفاوض، ويعتبره "سمّا" قاتلا".

لكن هذا التعبير من خامنئي لا يعني قطع التواصل، فهنا نستذكر مباشرة ما صدر عن مؤسس الثورة الإسلاميّة في إيران روح الله الخميني عند قبوله بوقف اطلاق النار مع العراق، إذ وصفه بـ"شرب السم". فإذا، طهران لا تخاف من السمّ، بل تنتظر اللحظة المناسبة لشربه ليتحوّل لإكسير يخرجها من الأزمة التي أوقعها بها الرئيس الأميركي.

في المقلب الأميركي، يقف الأب الروحي لفكرة الحرب على إيران، مستشار الأمن القومي الأميركي ​جون بولتون​، على أعتاب ​البيت الأبيض​، محاولاً بكل الطرق حثّ الإدارة الأميركية على تنفيذ خطته "خنق طهران"، اقتصادياً، وصولاً لإنشاء تحالف إقليمي ضدها يخرجها من معادلة المنطقة، ولكن طروحات بولتون لا تجد الحماس الأميركي بعد، خصوصا أن طهران كانت جادة بعدم السكوت على أي محاولة لضربها، وهو الامر الذي تحذّر منه اميركا التي لا تريد التصعيد مع إيران.

الحلّ اليوم إذاً يكمن في الوساطات التي تلجأ بعض الدول الإقليميّة للعبها، وأبرزها العراق وقطر وعمان واليابان. ووفق المعلومات الموجودة، فإنّ طهران قد أبلغت الدول المذكورة أن "الاستسلام لن يكون خيارا بالنسبة لها وأنّ الضغط سيؤدّي إلى خلق مواجهة قد لا يرغب بها أحد في الولايات المتحدة وإيران"، وأن الأخيرة "لا تفرّق بين الحرب الاقتصادية والعسكريّة، ولن تسمح للولايات المتّحدة بطهوها على نار هادئة حتى تفقد وعيها وتموت".

إذاً، الأوراق كلها أصبحت واضحة وعلى الطاولة. أميركا إستخدمت سلاحها الأمضى ضد طهران وهو العقوبات الخانقة، والثانية ردّت بالمناورة بورقتها المؤثّرة وهي الأمن الإقليمي. واليوم لم يعد أمام طهران سوى التأكيد على أن لا حل سوى الصمود، لما سيكون لهزيمتها واستسلامها من أثر مدمّر على أمنها القومي وبنية نظامها.

*شروط أميركا الـ12 لرفع الحظر عن إيران:

الكشف عن كل التفاصيل المرتبطة ببرنامج طهران النووي، والسماح لوكالة الطاقة الذرية بالتفتيش المستمر.

التوقف عن تخصيب اليورانيوم، واغلاق المفاعل الذي يعمل بالماء الثقيل.

منح الوكالة الدولية نفاذًا شاملًا لكل المحطات النووية الإيرانية.

وضع حد لانتشار الصواريخ البالستية والصواريخ التي يمكن أن تحمل رؤوسًا نووية.

إطلاق سراح الأميركيين وكل المواطنين الحاملين لجنسيات من دول حليفة لواشنطن المحتجزين في إيران.

وضع حد لدعم المجموعات الإرهابية في ​الشرق الأوسط​.

وضع حد لدعم حركة طالبان والقاعدة والجماعات الإرهابية الأخرى.

وضع حد لدعم فيلق القدس في الحرس الثوري.

وضع حد لتصرفات طهران تجاه ​إسرائيل​ والدول الحليفة لواشنطن في الشرق الأوسط.

نزع سلاح الميليشيات الشيعية في العراق.

وضع حد لدعم ميليشيات جماعة الحوثي في اليمن.

الانسحاب من سوريا وسحب ميليشيات ​الحرس الثوري الإيراني​ هناك.