تستعدّ ​لجنة المال​ النيابية للمباشرة في «تشريح» مشروع موازنة 2019، بعدما أقرّه ​مجلس الوزراء​ وتسلّمه رئيس ​مجلس النواب​ ​نبيه بري​ رسمياً، توطئةً لانطلاق رحلته في مجلس النواب، حيث ينتظره اختبار جديد هو عبور «المصفاة التشريعية».

سواء عقدت لجنة المال اجتماعاً الاثنين المقبل أم لا، فإنّ الأكيد هو انّ الدخول الى دهاليز ​الموازنة​ وسراديبها سيبدأ عملياً بعد عطلة ​عيد الفطر​، بمعدل جلستين في اليوم، حيث من المتوقع أن تستغرق عملية المسح نحو شهر من «الأشغال الشاقة»، قبل الانتقال الى «المباراة النهائية» في الهيئة العامة.

وتوحي تحضيرات رئيس اللجنة النائب ​ابراهيم كنعان​، الذي تشاور امس مع رئيسي ​الجمهورية​ و​المجلس النيابي​، أنّ الموازنة لن تمرّ «مرور الكرام» على ما يُنقل عنه، بل ستخضع الى المعاينة الدقيقة و«الفحص السريري»، ولن يكون هناك تساهل مع الخلل في أيّ بند من بنودها.

ويوضح كنعان «انّ الموازنة ستوضع على الـ«grill» (الشوّاية)، وسنعتمد التشدد والمهنية في مقاربتها، حتى تخرج من عندنا الى الهيئة العامة مستوفية للشروط والأصول اللازمة، خصوصاً في هذه المرحلة التي لم تعد تتحمل التغاضي عن أيِّ نزف مالي غير مبرَّر او التقاعس عن إجراء الإصلاحات البنيوية الضرورية، علماً انّ عملنا سيكون موضع اهتمام ومتابعة ليس فقط على المستوى الداخلي، بل على المستوى الخارجي أيضاً خصوصاً لدى ​البنك الدولي​ و​الاتحاد الأوروبي​، ما يستوجب منا إظهار اكبر مقدار ممكن من الصدقيّة والجدّية».

ما بين مشروع وزير المال ​علي حسن خليل​ وورقة الوزير ​جبران باسيل​، ستحاول لجنة المال برئاسة كنعان «المتوثب» أن تضع بصمتها على الموازنة وأن تُدخل تعديلات وتخفيضات عليها، ولكن ليس عبر الإكتفاء باستعمال «المقص» الذي أكثرَ مجلسُ الوزراء من استخدامه في معرض سعيه الى تقليص الإنفاق. وبناءً عليه، فإنّ التحدي الأهم والأكبر الذي سيواجه اللجنة لدى مناقشتها الموازنة يكمن في ​البناء​ على الإصلاحات والتوصيات التي سبق لها أن اتّخذتها سابقاً في مجالات حيوية عدة تتصل ب​المالية العامة​ والإدارة الرسمية.

والواضح، انّ عدداً من القوى السياسية التي مرّرت الموازنة على مضض في مجلس الوزراء، تحت ضغط الوقت أو شبح «سيدر»، ستكمن لها عند مفترق مجلس النواب سعياً الى تعديل أو إلغاء بعض البنود التي كانت تلك القوى قد اعترضت أو تحفّظت عنها علناً، قبل أن يجفّ حبر إقرارها، وبالتالي فإن وجود معظم الأفرقاء في ​الحكومة​ ولجنة المال معاً لن يمنع ظهور اعتراضات قوية على الموازنة مع بدء ​النقاش​ النيابي، خصوصاً انّ اللجنة تعتبر انّ لديها «هامش حركة» واسع، من شأنه أن يخفف آثار «التوأمة» بين السلطتين التنفيذية والتشريعية.

وفي اطار تكريس «الحُكم الذاتي»، كانت لجنة المال قد اتّخذت قراراً بشطب 1200 مليار ليرة من موازنة 2017 بعد لجوئها الى الخفض في المساعدات المخصّصة للجمعيات، وكلفة التجهيزات والأثاث، والأبنية المؤجّرة واحتياطي الموازنة، علماً انّ اللجان اعتادت على إصدار توصيات لا قرارات، غير انّ الهيئة العامة ما لبثت أن أرجعت هذا المبلغ الى مكانه.

والشعور السائد لدى رئيس اللجنة وعدد من أعضائها هو انّ ما أنجزته الحكومة يمكن الانطلاق منه، لكنه لا يلبّي كل متطلبات التصدي للمأزق الاقتصادي - المالي، بفعل النقص في الجرعات الإصلاحية التي يُفترض ضخُّها في عروق مشروع موازنة 2019، حتى يتناسب مع مقتضيات مواجهة التحديات القائمة، ويكسب ثقة الداخل اللبناني و​المجتمع الدولي​.

وعليه، ستتحرّك لجنة المال في مسارين: الأول، عصر الحساب الجاري المنتفخ الى الحدّ ​الاقصى​ الممكن، من خلال إجراءات حازمة ومتكاملة تشمل كل مكامن الهدر المزمن والإنفاق العبثي (التدقيق في اعتمادات الوزارات والمؤسسات، والتشدد في وقف التوظيف العشوائي ومعالجة تداعياته، على سبيل المثال لا الحصر).

أما المسار الثاني فيهدف الى تضمين الموازنة الإصلاحات البنيوية العميقة لطريقة إدارة المال العام والتي تشمل قطع الحساب وقوانين البرامج، آليات الاستدانة وخدمة الدين، طريقة الصرف من الاحتياطي، الرقابة على صرف ​القروض​ والهبات وغيرها من الأمور الحيوية.

يبقى انّ المؤشر الأبرز الى التحوّل الحقيقي نحو الاصلاح واحترام ​الدستور​، انما يتمثل في الالتزام بوضع الموازنة في وقتها، وإجراء حسابات مالية مدققة في آخر ​السنة​. عندها، يمكن القول إنّ المالية العامة باتت منتظمة وإنّ الثقة في الدولة بدأت تعود.