عشيّة القمّة الإسلاميّة الرابعة عشرة لمنظّمة التعاون الإسلامي، إستضافت السُعوديّة قمّتين طارئتين، الأولى لمجلس الجامعة العربيّة على مُستوى القادة، والثانية خليجيّة على مُستوى المجلس الأعلى لمجلس التعاون لدول الخليج العربي، بمُشاركة من قبل عدد كبير من المسؤولين العرب والمُسلمين، علمًا أنّ لبنان تمثّل بوفد برئاسة رئيس الحُكومة ​سعد الحريري​. فما هي الإرتدادات المُتوقّعة لهذه الإجتماعات، خاصة بالنسبة إلى التوتّر الخليجي مع إيران، وكيف يُتوقّع أن يكون موقف لبنان؟.

بداية لا بُد من الإشارة إلى أنّ المملكة العربيّة السُعوديّة التي تسلّمت من تركيا، رئاسة إجتماعات مُنظّمة التعاون الإسلامي للدورة الحالية، تهدف من وراء تنظيمها قمّتين طارئتين، بمُوازاة القمّة الإسلاميّة الدَوريّة المُخصّصة لقضايا عادية(1)، إلى تسليط الضوء على الصراع القائم مع إيران، وتأمين إلتفاف عربي وإسلامي حول السعوديّة، لجهة الإستحواذ على موقف جامع ورافض للهجمات التي تعرّضت لها بعض المُنشآت الحيويّة والسُفن النفطيّة في الخليج في الأيّام القليلة الماضية. وأبعد من مواقف الإدانة لأي إعتداءات، ومواقف التأييد لأمن الخليج، الهدف السُعودي يتمثّل في توجيه رسالة حازمة إلى إيران بضرورة وقف سياسة زعزعة أمن المنطقة عبر توفير الدعم اللوجستي لبعض الجماعات المُسلّحة في عدد من الدول العربيّة. وكلّما جاءت المواقف الصادرة عن المُشاركين في القمّتين الطارئتين مُوجّهة بشكل مُباشر أكثر إلى إيران، كلّما كانت ​السعودية​ قد حقّقت أهدافها، حيث ستكون عندها الرسالة واضحة، ومفادها بأنّ أمن السعودية و​الإمارات​ من أمن كل دول الخليج وكل الدول العربيّة بدون إستثناء، وبأنّ ضرب الإمدادات النفطيّة هو تهديد للإستقرار العالمي بكامله.

وبحسب المعلومات أيضًا، إنّ السعودية تريد عبر الحشد السياسي على أراضيها توجيه رسالة حازمة إلى إيران، مفادها أنّ إستمرار طهران في سياستها التوسّعية، وفي العمل على ضرب إستقرار دول المنطقة، لن يُواجه بخُطابات التنديد فقط، بل عبر المزيد من العزل السياسي والضُغوط المُختلفة على إيران، خاصة وأنّ الضرر لم يعد مُقتصرًا على السعودية، بل يطال الأمن الإقليمي والإستقرار العالمي. وتعمل السعودية عبر اللقاءات الكثيفة مع قادة الوُفود التي حضرت إلى مكّة، على رفع شعار "الدفاع عن الأمن القومي العربي" لحثّ أكبر عدد مُمكن من الدول العربيّة والإسلاميّة على الوُقوف إلى جانبها، وعلى مُمارسة مُختلف أنواع الضُغوط على إيران، على أمل حملها على التراجع عن التعرّض عسكريًا للسعودية وللإمارات عبر ميليشيات مُسلّحة ومُدرّبة ومُموّلة من قبلها.

وليس بسرّ أنّ المسؤولين السُعوديّين يعتبرون أنّ إيران تخوض حربًا ضُد السعوديّة وغيرها من الدول الخليجيّة والعربيّة، عبر ما يصفونه بأذرعها المحليّة، مثل "حزب الله" في لبنان، و"أنصار الله" في اليمن، و"الحشد الشعبي" في ​العراق​، وبعض الميليشيات في ​سوريا​، إلخ. وهم يسعون بالتالي إلى تأمين حماية عربيّة وإسلاميّة واسعة، إن لم تكن ميدانيّة فأقلّه مَعنويّة، في سياق العمل على وقف التمدّد الإيراني في البيئتين العربيّة والإسلاميّة، والأهمّ بهدف إستجلاب رُدود دوليّة حازمة، في حال إستمرار التعرّض للمصالح القوميّة لكل من السعودية والإمارات.

بالنسبة إلى لبنان الذي حضر في السُعودية عبر وفد برئاسة رئيس الحكومة سعد الحريري، فهو عمل كالعادة على السير بين الألغام، وعلى مُحاولة تجنّب أيّ موقف يُسبّب إنقسامات وخلافات داخلية لبنانيّة، علمًا أنّ الحريري-وعلى الرغم من إستمرار تبنّيه لسياسة النأي بالنفس عن الصراعات الكبرى القائمة، جاهز لتأييد مُطلق أي موقف رسمي مُوحّد يصدر عن المُجتمعين. ولعلّ تكليفه ترؤس ​الوفد اللبناني​ إلى القمتين–وإضافة إلى خلفيّاته على المُستوى الطائفي، جاء إستباقًا لأي إحراج يُمكن أن يُصيب أي مسؤول آخر إزاء أي بيان مُتشدّد ضُدّ إيران.

في الخُلاصة، إنّ التوتّر في منطقة الشرق الأوسط باق في المدى المنظور، بسبب أكثر من ملفّ مُتداخل ومُتشابك، من مُؤتمر البحرين المُرتقب مع ما يعنيه من صراع مفتوح بين مُؤيّدي الحل السلمي للقضيّة الفلسطينيّة والداعين إلى إزالة ​إسرائيل​ من الوُجود، مُرورًا بإستمرار الضغوط السياسيّة والإقتصاديّة الأميركيّة القاسية ضُد إيران مع ما تستجلبه هذه السياسة من ردّات فعل إنتقاميّة، وُصولاً إلى إستمرار الصراع غير المُباشر بين إيران-السعودية، والذي بدأ يأخذ في المرحلة الأخيرة أشكالاً تصاعديّة، مع الاشارة الى أن أصابع الاتّهام الخليجيّة والاميركيّة تدّل الى أنّ الضربات الإيرانية–بالواسطة، تصل الى العمق الإستراتيجي لكل من السعودية والإمارات، وهو ما تُحاول الرياض وحلفاؤها الرد عليه، بتوفير أكبر حشد عربي وإسلامي حولهما.

(1) ستبحث وُفود 57 دولة عُضو في ​منظمة التعاون الإسلامي​، مُستجدات "القضيّة الفلسطينيّة"، وسُبل مُكافحة ​الإرهاب​، وجُهود منع تفشّي التطرّف في ​العالم الإسلامي​، وأساليب مُعالجة "الإسلاموفوبيا" في العالم، وتقييم الوضع العام في العالم الإسلامي، إلخ...