الإثنين 3 حزيران 2019، هو اليوم الأول للموازنة العامة لعام 2019 في ​مجلس النواب​. كان يجب ان يكون اليوم الأول في منتصف تشرين الثاني 2018، لبدء درسها وإنجازها كحد أقصى في آخر سنة 2018، لكن "البلد بطيء" والدولة أكثر بطئًا ولا قيمة للوقت في عصر السرعة، وتكون النتيجة تأخر البدء بدرس ​الموازنة​ ثمانية أشهر، وتأخر صدور الموازنة ستة أشهر.

كم هي كلفة خسارة ثمانية أشهر؟

وكم هي كلفة خسارة ستة أشهر؟

لا أحد يحسب ولا أحد يحتسب ولا أحد يتحسب! والنتيجة المزيد من الخسائر التي تؤدي إلى مزيد من الخراب الذي بدوره يؤدي إلى المزيد من إضاعة الفرص.

***

لكن بأهمية درس الموازنة هناك وجوب إنجاز "قطع الحساب"، فما هو هذا المصطلح الذي بات يتردد عشرات المرات في اليوم وأصبح ينافس مصطلحات "زحمة السير و​التلوث​ و​النفايات​ و​العجز​ والديْن العام وغيرها" في الظهور!

"قطع الحساب" بالتعريف المبسط هو:

"شو إلنا وشو علينا"

"قديش صرفنا؟ وقديش بقي معنا؟ وهل صرفنا بحسب ما وضعنا عالورق؟ وهل طلَّعنا قد ما قدَّرنا"؟

هذا هو "قطع الحساب" ب​اللغة​ اليومية المتداولة، من المتجر إلى الدكان إلى المؤسسة إلى البيت، فكل إنسان يقوم بحساب الإنفاق والإيرادات، وفي آخر كل شهر يحسب ما انفق وما "دَخَّل".

الإنسان يقوم بقطع الحساب آخر الشهر، عن الشهر الذي مرّ، أو آخر ​السنة​ عن السنة التي مرّت، ففي آخر أيار يقوم "بقطع الحساب" عن شهر أيار. لكن لا يصح ان يقوم في آخر أيار 2019 بقطع حساب عن شهر أيار 1993، أي عن شهر مرَّ منذ 26 عامًا أي منذ أكثر من ربع قرن، إذ ماذا يفيد ان يعرف الإنسان، اليوم، ما انفقه وما "دخَّله" منذ 26 عامًا، لأنه بذلك يكون يعيش في فوضى مالية حيث لا يعرف كم أنفق ولا يعرف كم أدخَل.

هذا ما قامت به "العهود السابقة" على مدى ربع قرن: ليس هناك قطع حساب منذ العام 1993 حتى سنة 2017، وقطع الحساب الوحيد الذي تهتم به السلطات المختصة هو قطع الحساب عن سنة 2017، فماذا عن السنوات التي سبقت؟

***

إذًا، وباللغة المالية، فإن "قطع الحساب هو بيان بتنفيذ الموازنة بكل ما صرفناه وكل ما جبيناه من إيرادات، مقارنة مع الاعتمادات التي تم إقرارها من مجلس النواب" هو الموازنة الفعلية التي نفذت أي النفقات الحكومية التي تم انفاقها خلال السنة المالية مقابل واردات الموازنة التي تم تحصيلها.

***

هذا ما يمكن تسميته بانتظام ​المالية العامة​، والتي لا يُمكن أن تتحقق من دون إقرار الحسابات المالية للسنوات السابقة. لا يجوز إقرار أي موازنة (توقعات الواردات والإنفاق للعام المقبل) بلا قطع حساب (ما تحقّق من الواردات والإنفاق في العام السابق). وهذه مسلّمة دستورية وقانونية، ففي المادة 195 من قانون المحاسبة العمومية، يرد ما يلي: "تقوم مصلحة المحاسبة في المديرية المالية بتنظيم قطع حساب الموازنة كل سنة، وتقدمه الى ​ديوان المحاسبة​ قبل 15 آب من السنة التي تلي سنة الموازنة".

هذا يعني ان قطع حساب 2018 يجب ان يقدّم إلى ديوان المحاسبة قبل 15 آب 2019. لكن عمليًا "البلد في مكان آخر كليًا" وهذه هي الفضيحة:

هناك مخالفة بإقرار الموازنة من دون قطع الحساب. والسؤال: لماذا لم تُقدَّم الحسابات المالية على مر العهود التي أعدّتها ​وزارة المال​ من عام 1993 حتى 2017 وتسلمها ديوان المحاسبة، الى مجلس النواب بعد؟

هل يُمكن إمرار الموازنة بالاعتماد فقط على قطع الحساب لعام 2017؟

هل صحيح ان قطع الحسابات عن الاعوام السابقة سيكشف عمليات الصرف من دون رقيب؟

***

مؤسف ما يجري، فحتى "دفتر الدكنجية"، لجهة الصرف والإيرادات، يبقى أفضل من "نبش قبور الحسابات" منذ ربع قرن!

أين "سيدر" من كل ما يجري؟

بالخلاصة نحن شعب ​لبنان​ خارج جنة الحكم، نشعر وبكلمة واحدة: "تبهدلنا".