في كل مرة يطل فيها الامين العام ل​حزب الله​ ​السيد حسن نصر الله​، يكون الكلام الذي يقوله محط تقييم ودرس، ليس فقط على الساحة المحلّية، بل ايضاً على الساحتين الاقليمية والدولية. ومن الطبيعي ان تنقسم المواقف بين مؤيّد لما يقول ومعارض له، خصوصاً وان كلامه لا ينحصر فقط بالمسائل اللبنانية، بل يتعداها الى مسائل في المنطقة، واخرى ابعد من هذه الحدود.

مواضيع كثيرة يمكن التطرق اليها في المواقف التي تضمنتها الكلمة الاخيرة لنصرالله، وفي ظل الانقسام الحاصل حول تأييد كلامه او رفضه بالنسبة الى مسائل تتعلق بالموقف من السعوديّة ومن ​ايران​ و"الحرب" بين ​الولايات المتحدة​ وايران وغيرها... هناك موقف لافت يتعلق بلبنان اراد فيه ابقاء الغموض حوله للتسبب بالكثير من الاسئلة. هذا الموضوع هو قضيّة ​الصواريخ​ الدقيقة التي يملكها حزب الله، وفي حين كان واضحاً الاعتراف بامتلاك هذه الصواريخ وبأعداد كافية لإحداث توازن رعب، كانت مسألة وجود المصانع او اقامتها في المستقبل اكثر غموضاً وتلقي بالكثير من الشكوك، اضافة الى التداعيات التي تطرحها.

صراحة الامين العام لحزب الله دفعته الى الاعتراف بامتلاك الصواريخ، والتأكيد ايضاً على عدم وجود مصانع لتصنيعها في لبنان، وهو كان جازماً في هذا المجال وحاسماً. ولكن ما تبع هذا الكلام هو الذي يجدر التوقف عنده، فهو قال انه بالامكان اقامة هذه المصانع في المستقبل على الاراضي اللبنانية، ما يعني انه اذا استمر الاميركيون بالتركيز على هذه المسألة واتهام لبنان -بغض النظر عن عدم وجود هذه المصانع- فقد يعطي هذا دفعاً لانشائها في المستقبل. ولكن، هل هذا الامر يصبّ في خانة تقوية لبنان ام اضعافه؟.

يمكن ان يكون نصرالله قد ملّ من التبرير، ليس فقط للاميركيين والاوروبيين، بل للبنانيين ايضاً، بأن لا مصانع لتصنيع الصواريخ في لبنان، وبعد اشهر قليلة على اتّهام اسرائيل للبنان بالتغطية على الحزب من خلال السماح له بتخزين ​الاسلحة​ في مستودعات كشفت عن نقاطها الجغرافية، نظّم وزير الخارجية جبران باسيل جولة للمسؤولين الدبلوماسيين الاجانب على هذه النقاط تحديداً، وأظهر ان الكلام الاسرائيلي كان فارغاً ولا قيمة له.

واليوم، ها هم الاميركيون يرفعون اصابع الاتهام بوجه الحزب بأنّه يقوم بتصنيع الصواريخ في مصانع انشأها على اراضٍ لبنانية، بهدف ابقاء الضغط على اللبنانيين وتقليبهم على الحزب، من خلال ارسال رسالة غير مباشرة تفيد بأن الحزب يهدد مستقبلهم وكل ما يسعون اليه من نهوض اقتصادي وسياحي فيما المنطقة تسير على خطى ترسيخ الاستقرار. ولكن، رغم ذلك، يرى الكثيرون ان "تهديد" نصر الله يبقى دونه عقبات كثيرة، اهمّها انه سيكون موضع انقسام عميق بين اللبنانيين قد يتحول الى هوّة تطيح بالغطاء المقدّم للحزب (الذي يبقى فاعلاً رغم اعتراض بعض الاصوات على سياسته واستراتيجيته)، وهو امر بالغ الاهمية لانّه يأخذ بأهمية كبيرة عدم اهتزاز الارضيّة اللبنانيّة تحته، وقد اثبت ذلك في الكثير من الاحداث والتطورات في الفترات الزمنية السابقة.

ومن الاسباب المهمّة التي تمنع انشاء مصانع لهذه الصواريخ، هو عدم اعطاء أيّ ذريعة للخارج للامعان في استهداف الحزب، ومن خلاله لبنان، حيث ان التأكد من وجود هذه المصانع سيعرّض البلد بأسره لحملة اقتصادية ومالية ودبلوماسية وسياسية وربما امنية وعسكرية ايضاً، وقد تجد فيها القوى الخارجية النافذة التي لطالما ارادتها للدخول منها الى فصل الحزب عن البيئة اللبنانية، دون ان يجد من يقف الى جانبها من الدول الكبرى الفاعلة، كونه سيشكّل احراجاً حقيقياً لها.

من هنا، لا يمكن القول ان التهديد بانشاء هذه المصانع هو نقطة قوّة للبنان، ولكنه بمثابة تحذير من ان لبنان ليس ولن يكون لقمة سائغة، وسيبقى ضمن شروط "اللعب النظيف" اذا تمّ احترام هذه الشروط من قبل الجميع، ايّ بمعنى آخر انه لن يكون من ينسف هذه الشروط.