باتت ال​صواريخ​ الإسرائيلية التي تستهدف أهدافًا عسكريّة في ​سوريا​ مسألة عادية ودَوريّة، في ظلّ مُحاولات سوريّة مُتفرّقة لتغيير هذه المُعادلة، من دون أن تنجح في ذلك حتى اليوم. وفي لبنان، إنّ ملفّ الصواريخ التي بحوزة "​حزب الله​" هو أحد أبرز الملفّات التي يتناولها الأميركيّون في العديد من إجتماعاتهم مع كبار المسؤولين اللبنانيّين. فما جديد مسألتي التراشق الصاروخي في سوريا، وصواريخ "حزب الله"؟.

في سوريا، يُحاول "محور المُقاومة والمُمانعة" منذ سنوات عدّة، إيجاد مُعادلة أمنيّة تقيه الضربات الصاروخيّة الإسرائيليّة من دون أن ينجح في ذلك على الإطلاق، حيث بقيت الكلمة الأخيرة في هذا السياق لصالح إسرائيل التي لم تردعها لا منظومة صواريخ "أس 300"، ولا التهديدات المُتكرّرة، من مُواصلة هجماتها كلّما رأت أنّ ذلك مناسبًا. كما أنّ ​النظام السوري​ وحلفاؤه يُحاولون منذ سنوات عدّة أيضًا، إيجاد بنيّة تحتيّة مناسبة لإطلاق مُقاومة مُسلّحة على تُخوم هضبة الجولان السُوري المُحتلّة، على الرغم من السعي الإسرائيلي المُستمرّ-بالضغوط السياسيّة عبر حلفائها تارة، وبالضربات العسكريّة المُباشرة تارة أخرى، إفشال هذه المساعي. وبحسب تقارير غربيّة مُتخصّصة بشؤون الشرق الأوسط، إنّ إسرائيل تُخاطر في كلّ مرّة تُهاجم أهدافًا عسكريّة في سورية–كما حصل في الأيّام القليلة الماضية(1)، بالإنزلاق إلى مُواجهة عسكريّة واسعة لا يُريدها أي طرف في الظروف الراهنة، لكنّ "تل أبيب" تقبل المُخاطرة، لأنّها لا يُمكنها عدم الردّ فورًا وبقوّة على أي ضربات عسكريّة ضُدّها من سوريا. وأوضحت هذه التقارير أنّ مُجرّد عدم قيام إسرائيل لمرّة واحدة بعدم الردّ على أيّ صاروخ يُطلق من سوريا نحو الأراضي التي تُسيطر عليها، يعني أنّها ستُعطي خُصومها فرصة إطلاق مُقاومة عسكريّة مفتوحة ضُدّها. وأضافت هذه التقارير أنّه على الرغم من حرص النظام السُوري والقوى الحليفة له، على إبقاء الصراع مع إسرائيل محصورًا في نطاق الجولان السُوري المُحتلّ، حيث لا يتمّ توجيه أي ضربات نحو العمق الإسرائيلي، إلا أنّ "تل أبيب" ترفض كليًا السماح بإنطلاق أي مُقاومة تجاهها، ولو ضُمن بقعة جغرافيّة محدودة الحجم، حتى لا تسقط المُعادلة الأمنيّة التي فرضتها في المنطقة منذ عُقود، والتي لم تنجح الجُهود الإيرانيّة الكثيفة في تغييرها حتى اليوم، على الرغم من قيام طهران عبر خبراء عسكريّين من قبلها، وعبر مجموعات مُدرّبة من "حزب الله" ومن غيره من الوحدات المُسلّحة التي تعمل تحت أجنحتها، بإرساء بنية تحتيّة قتاليّة على طول الحُدود مع ​الجيش الإسرائيلي​ من جهة الجانب السُوري. وحتى اليوم، يعتبر محور "المُقاومة والمُمانعة" أنّ الوقت لم يحن لإطلاق المُواجهة الشاملة مع إسرائيل، لذلك هو يُبقي ما تمّ بناؤه من مراكز عسكريّة حدُوديّة، خارج التراشق الصاروخي الذي يحصل بين الحين والآخر، في إنتظار "ساعة صفر" لم يحن توقيتها-بعد على ما يبدو!.

بالإنتقال إلى لبنان، الوضع مُختلف تمامًا، حيث أنّ الخروقات الإسرائيليّة للقانون الدَولي تقتصر على خرق الأجواء اللبنانيّة جوًّا وبحرًا، من دون التجرؤ على توجيه أيّ ضربة عسكريّة ميدانيّة، خاصة وأنّ "حزب الله" جاد بالردّ بشكل فوري ومُباشر، ما يعني إنجرار الجميع لمُواجهة مفتوحة، على غير ما هو الوضع عليه في سوريا حيث حتى بيانات "الردّ في الزمان والوقت المناسبين" غابت عن تصاريح النظام السُوري، وبلغ الأمر في الماضي القريب حدّ الحديث عن "أجسام مُضيئة" في إشارة إلى الصواريخ الإسرائيليّة، الأمر الذي أثار موجة واسعة من الإنتقادات والتهكّم! ولأنّ الوضع في لبنان مُختلف، فإنّ إسرائيل التي لا ترغب بكسر "الهدنة الميدانية غير المُعلنة" منذ إنتهاء حرب تمّوز في العام 2006، أي منذ 13 سنة، تخشى في الوقت عينه تنامي قُوّة "حزب الله" العسكريّة، لا سيّما الصاروخيّة منها، من دون أن تكون قادرة على توجيه أيّ ضربات إستباقيّة ضُدّ مخازن ومخابئ هذه الصواريخ، خشية من الدُخول في معركة عسكريّة واسعة جدًا مع "الحزب". وبالتالي، تقوم إسرائيل دَوريًا بتسليط الضوء على المخاطر الأمنيّة المتأتيّة من هذه الصواريخ، وهي شنّت أكثر من مرّة في السابق حملات إعلاميّة إستعراضيّة ضُدّها، مُتحدّثة عن كشفها لمخابئها في مناطق سكنيّة قرب بيروت والمطار، إلخ. في مُحاولة لتأليب الرأي العام اللبناني ضُدّ "الحزب" بالتزامن مع مُحاولة الظُهور بمظهر "الضحيّة" أمام الرأي العام العالمي. لكنّ إسرائيل العاجزة عن المسّ عسكريًا بهذه الصواريخ، تلجأ إلى الحليف الأميركي للضغط على لبنان في هذا المجال. وبحسب المعلومات المُتوفّرة، فإنّ المبعوثين الأميركيّين نقلوا في المرحلة الأخيرة أكثر من رسالة بشأن "مخاطر هذه الصواريخ على الأمن والإستقرار الإقليميّين" إلى المسؤولين اللبنانيّين، ومارسوا ضُغوطًا قويّة على الجانب اللبناني. وهذه الضُغوط بالتحديد هي التي دفعت أمين عام "حزب الله" السيّد ​حسن نصر الله​، إلى الخروج أخيرًا بتصريح شديد اللهّجة تحدّث فيه عن إمتلاك صواريخ دقيقة قادرة على "تغيير وجه المنطقة"-حسب تعبيره، مهدّدًا ببناء مصانع لإنتاجها في لبنان، في حال إستمرار الحملة الأميركيّة على هذه الصواريخ.

ويُمكن القول في الختام، إنّ أيّا من الجهّات المَعنيّة لا يُريد الإنزلاق إلى حرب شاملة في المرحلة الراهنة، لكنّ إذا كان "اللعب بالنار" في سوريا يبقى قليل المخاطر، بسبب تفاهمات روسية–إسرائيليّة، وبسبب عدم تخطّي النظام السُوري للخُطوط الحمراء التي وضعتها إسرائيل منذ ثمانينات القرن الماضي، فإنّ الوضع الأمني الهشّ بين لبنان وإسرائيل والمَضبوط بقُوّة ردع مُتبادلة، مُرشّح للإنزلاق إلى مخاطر كُبرى في المُستقبل بسبب ملفّ صواريخ "الحزب". فإسرائيل تُعوّل حاليًا على الضُغوط الأميركيّة، وعلى الدبلوماسيّة الأميركيّة، لحلّ هذه المُعضلة، لكنّها ستكون مُضطرّة إلى التعامل أمنيًا معها في المُستقبل–مهما كانت التداعيات والإرتدادات، لأنّ تعاظم القُوّة الصاروخيّة الدقيقة والبعيدة المدى بيد "حزب الله"، يُمثّل كابوسًا لا يُمكنها التعايش معه إلى ما لا نهاية، حيث ستكون في نهاية المطاف مُضطرّة إلى مُحاولة التخلّص منه–مهما كانت الكلفة عالية.

(1) خلال الأسبوع الماضي، حاول الجيش السُوري التصدّي لطائرات إسرائيلية كانت تخترق الأجواء السُورية كالعادة، لكنّ الجيش الإسرائيلي سارع بعد ذلك إلى قصف منصّة صواريخ مُضادة للطائرات في منطقة "تل شعار" في القنيطرة، بحجّة إطلاق النار منها. وفي الساعات القليلة الماضية، تمّ إطلاق صاروخين من الداخل السُوري في إتجاه هضبّة الجولان السُوريّة المُحتلّة، الأمر الذي دفع إسرائيل إلى الردّ سريعًا بسلسلة من الغارات والضربات الصاروخيّة في القنيطرة وفي العمق السُوري أيضًا.