تستمر التحقيقات في العملية الارهابية الاخيرة التي شهدتها مدينة ​طرابلس​ عشية عيد الفطر، والتي نفذها الارهابي عبد الرحمن مبسوط واوقعت اربعة شهداء للجيش اللبناني و​قوى الامن الداخلي​. ولكن قبل الدخول في قراءة سريعة وموضوعيّة لهذه العملية، لا بد من الاشارة الى أنّ ضريبة الدم التي يدفعها الجيش و​القوى الامنية​، يبدو انها تحوّلت الى دائمة بعد ان اعتدنا تنفيذ هذا النوع من العملّيات خلال اعياد الميلاد والسنة الجديدة، فإذا بها تنتقل الى عيد الفطر، لتبقى النتيجة واحدة وهي سقوط الشهداء الابطال على ايدي اشخاص لا يستحقون الحياة ولا يريدونها.

وفي عودة الى العملية الارهابيّة، فلا تزال الامور غامضة حول ما اذا كان مبسوط قد تصرف بدافع شخصي او بتعليمات من منظمة ارهابيّة، ولكن في الحالتين، فإن الامر اعاد الى الاذهان خطورة هذا النوع من العمليّات، والقدرة المحدودة للقوى الامنيّة (ليس فقط اللبنانيّة، بل العالميّة ايضاً كما اثبتت الاحداث السابقة في اكثر من بلد) على منع وقوع عمليّات امنيّة محدّدة ومحصورة، وهذا هو الخطير في ما اسمته وزيرة الداخلية ريا الحسن بإرهاب "الذئاب المنفردة". فالمجموعات الارهابيّة مرتبطة بخيوط يمكن تتبعها بفعل عمل استخباراتي، ويجوز عندها القول انّ التضييق عليها ومراقبتها يصبح اكثر سهولة من افراد مارقة تنفذ عملية ارهابيّة معيّنة.

واذا ثبت ان مبسوط قد تصرف بمفرده دون الرجوع الى قيادة ارهابيّة معيّنة، فهذا يعني انه التزم مسار الاجرام والارهاب كونه كان مسجوناً بسبب جرائم ارتكبها. ولكن، تصرفات مبسوط توحي وكأنه لم يكن في وارد الانتحار، بل الاستمرار في عمليّاته الارهابيّة لفترات اطول، بدليل انه لم يعمد الى تفجير نفسه اكان في مكان مكتظ بالمدنيين (كما يفعل الارهابيّون عادة)، او بالقوى الامنيّة التي استهدفها مباشرة، ولم يعمد الى اطلاق النار في مكان واحد. اضافة الى ذلك، فهو عمد الى الهروب على أمل ان يتمكّن من الفرار، ولكن العناصر الامنيّة التابعة للجيش وقوى الامن لم تفسح له المجال بذلك.

ووفق نظريّة اخرى، فإنه يمكن ان يكون مبسوط قد عمد الى استدراج القوى الامنيّة لالحاق اكبر قدر ممكن من الشهداء، ولكن الاشتباكات التي دارت والخبرة التي بات يملكها عناصر الجيش والقوى الامنيّة في ​مكافحة الارهاب​، أدّت الى ان يفجّر الارهابي نفسه دون سقوط مزيد من الشهداء في صفوف ملاحقيه.

وما يزيد من فرص اعتبار العمليّة الارهابيّة فرديّة، هو التسجيل الذي انتشر ويظهر فيه مبسوط دون اي خلفيّة لعلم من اعلام المنظمات الارهابيّة المعروفة او لتوجّهات "تحرير" مناطق ومساحات من "الكافرين" كما كان يحصل مع الارهابيين المنتمين الى منظمات.

ولا شك انّ هذه العملية اعادت الزخم الكبير الى الحديث عن الاحكام القضائيّة خصوصاً وان مبسوط كان مسجوناً لفترة قصيرة من الزمن، كما انها ستفتح الباب بشكل اوسع لبحث التدابير الماليّة التي ستلحق بالجيش والقوى الامنيّة ضمن موازنة العام 2019 التي يدرسها حالياً مجلس النواب، وستلقي الضوء بدقة اكثر على حقيقة الدور الذي يقوم به الجيش والقوى الامنيّة والذي ادّى الى ترسيخ الامن والاستقرار.

انّ ما شهدته طرابلس في الساعات الماضية، كان يمكن ان تشهده ايّ منطقة او مدينة اخرى، فالعمليات الارهابيّة الفرديّة تبقى من اخطر الانواع ولا يمكن توقعها، الا انّ السرعة في الاستجابة والانتشار الامني المدروس والتنسيق الذي ظهر بين مختلف الاجهزة الامنيّة، يبقى العزاء الوحيد في هذه المأساة التي سيذكر التاريخ من تصدّى لها بفخر واعتزاز، وسيرذل من تسبب بها.