عندما أقدم ​الإرهاب​ي عبدالرحمن مبسوط على إرتكاب جرائمه في ​طرابلس​، عاش لبنان إرباكا فعليا خلال ملاحقة القوى الأمنية والعسكرية للإرهابي المذكور. أصيب المواطن بالإرباك عينه بعدما شطحت وسائل إعلامية في تقدير عدد المهاجمين الإرهابيين، ووصل الأمر للحديث عن وجود عشرة أشخاص، ليتبيّن ان الإرهابي واحد لا غير. ثم سرعان ما دار النقاش والتحليل عن خطط إرهابيّة ومخططين و"ذئاب منفردة"، بعدما تبنّى تنظيم "داعش" العملية، إستنادا" إلى تاريخ مبسوط الإرهابي ومشاركته في القتال إلى جانب الدواعش في ​سوريا​، ثم القبض عليه وقضائه فترة في السجن في لبنان قبل خروجه منه.

لكن كلاما آخر طرحه المدير العام للامن الداخلي ​اللواء عماد عثمان​ عن حالة مرض نفسي دفعت مبسوط إلى إرتكاب جرائمه، ما لاقى القبول والرفض للتوصيف.

فأين الحقيقة؟ وهل يوجد "ذئاب منفردة" في لبنان؟ ما هي أعدادها؟ ومن يعدّها؟.

لا تزال هناك أعداد كبيرة من الإسلاميين في لبنان تتعاطف مع الخطاب المتطرّف الحاد، لكن ذلك لا يعني وجود خلايا ارهابية منظّمة ونائمة او "ذئاب منفردة" تنتظر أوامر مسؤوليها. فالأمر لا يمثّل دليلاً قاطعاً أن مبسوط كان "ذئباً منفرداً"، بل قد يستغلّ التنظيم الإرهابي داعش العمل الإجرامي للإيحاء بقدراته داخل لبنان.

لماذا أقدم مبسوط على إرتكاب جرائم عن سابق تصور وتصميم، وبرهن عن قدرات إرهابيّة وكفاءة في إستخدام السلاح؟.

يقول المطّلعون في طرابلس إنّ "ارهاب مبسوط هو عمل فردي". صحيح أن المجرم المذكور صاحب سجل إرهابي، وهو متطرف في فكره، متشدّد في إسلاميته، "لكن لم يتبين انه نفذ أمراً داعشياً، بل جاء إجرامه نتيجة فقر وحقد"، لذلك عندما وصف مدير عام الأمن الداخلي أن مبسوط مريض نفسي، فهو كان يشير إلى حالة المجرم الفردية الساخطة على نفسه وعلى المجتمع. قد تشبه حالة أي شخص مصاب بكآبة حادة يُقدم على الإنتحار نتيجة فقر أو سوء حال، أو عند فقدانه الأمل نهائياً، خصوصا ان مبسوط كان يبحث عن عمل بعدما سدّت السُبل في وجهه نتيجة وضع لبنان الإقتصادي وعدم وجود فرص عمل.

إن البحث البسيط بشأن وضع أيّ إنتحاري ألبس إجرامه لباساً "جهاديا"، يقود الى الكشف عن حالات نفسية وإجتماعية او مادية صعبة قادت الإنتحاري الى الهروب من واقعه، وصولاً إلى التخلص من حياته مع إقناع نفسه والآخرين بوجود اهداف دينية ووعود لاحقة.

الفارق بين المُنتحر والإنتحاري ان الاول يقرر ان يتخلص من واقعه بالموت بإذية نفسه فقط، بينما الثاني يُنهي حياته مع اوهام يزرعها في رأسه اصحاب الفكر الديني المتطرف، فيؤذي نفسه والآخرين.

قاد الواقع الإجتماعي السيء، والفقر والعوز، وعدم وجود فرص العمل، والتربية المتشدّدة التي زرعها في فكره "الدواعش" في سوريا ولبنان، والحقد على القوى العسكرية والأمنية التي منعت تمدّد المتطرفين، و​الدولة اللبنانية​ التي عاقبت مبسوط وأمثاله بالسجن الشاق، والخبرة في الاعمال الارهابية-كل ذلك قاد مبسوط الى إرتكاب إجرامه بطريقة إحترافية، وبدم بارد.

فما هو الحل؟ لا يمكن فقط الإكتفاء بالخطوات الأمنية، بل إن علاج التطرّف يتمّ بالتنمية في المجتمعات لعدم السماح للإرهاب بالتسلل من خلال استغلال الفقر والفراغ في المجتمعات، وتنفيذ سياسة توعوية رشيدة، من خلال المؤسسات الدينية اولاً، ووقف الخطابات السياسيّة الطائفيّة والمذهبيّة لأنّ ايّ خطاب يجرّ خطابات مشابهة او متقابلة. والاّ سنكون امام ذئاب جائعة تنهش بنفسها وبالمجتمع.

فهل بمقدور لبنان الآن تحقيق تلك الخطوات؟ أم أن الازمة الإقتصادية ستزيد من حجم الفقراء والحاقدين وضحايا الفكر المتطرف والإسلامي المتشدد؟.

لا يوجد "ذئاب منفردة" في لبنان، رغم ان اعدادا كبيرة موجودة كانت اعدّتها المجموعات الإرهابية عسكريا في السابق، من دون ان يعني ذلك إمتلاكها القدرات، ولا وجود نوايا لديها، او تواصل مع المجموعات القيادية الإرهابية الملاحقة إقليميا والمتخفّية دولياً، والأهم لا وجود لأيّ أمل لديها بإعادة الروح الى مشروعها. لقد إنكسر طموح الإرهابيين في لبنان في السنوات الماضية، ولا تستطيع ان تحيي الذئاب لا المنفردة ولا المجموعة أيّ مشروع للإرهاب في لبنان.