كشفت مصادر وزارية واسعة الاطلاع عبر صحيفة "الشرق الأوسط" أنه "لم يطرأ حتى الساعة أيّ تطور إيجابي في اتجاه استيعاب التوتر واحتواء التصعيد السياسي والإعلامي الذي ارتفع منسوبه أخيراً بين "​تيار المستقبل​" و"​التيار الوطني الحر​"، مؤكدة أنه "لا قطيعة سياسية بينهما، وإن كانت ​الاتصالات​ مقطوعة وباتت في حاجة إلى بذل جهود فوق العادة لإصلاح ذات البين بينهما".

ولفتت المصادر الوزارية إلى أن "تيار المستقبل بادر، منذ اندلاع الخلاف بينه وبين التيار الوطني، إلى تمرير رسائل من خلال كبار المسؤولين فيه لعل الأخير يبادر إلى التقاطها، ويسارع إلى معالجة الأسباب التي أدت إلى تظهير الخلاف إلى العلن، وللمرة الأولى منذ انتخاب العماد ​ميشال عون​ رئيساً للجمهورية"، مبينة أن "المستقبل أراد التركيز على نقطتين تشكلان من وجهة نظره خريطة الطريق لإعادة الانتظام إلى مؤسسات ​الدولة​ بدءاً ب​مجلس الوزراء​".

وأوضحت أن النقطة الأولى تكمن في أن رئيس ​الحكومة​ ​سعد الحريري​ أراد أن يقول بلا أي مواربة إنه غير مرتاح إلى التجاذبات الحاصلة بداخل الحكومة، وتحديداً من وزير الخارجية ​جبران باسيل​، فيما الثانية تعكس رأيه بصراحة بأن الأمور في البلد لن تسير نحو الأحسن في ظل الابتزاز من هنا، والتهويل من هناك"، مؤكدة أن "الحريري قال كل ما لديه من مآخذ من خلال المواقف التي صدرت عن "المستقبل"، والكرة الآن في مرمى باسيل الذي حاول أن ينقل ​النقاش​ إلى مكان آخر، بقوله إن الخلاف يدور بين فريق يريد ​محاربة الفساد​ وتحقيق الإصلاح الإداري، وآخرين لا يريدون ذلك. ورأت المصادر نفسها أن باسيل أراد من كلامه هذا القفز فوق الأسباب التي كانت وراء التأزم الذي بلغته علاقة "التيار الوطني" بـ"المستقبل".

وتوقفت أمام الموقف الذي صدر عن رؤساء الحكومات السابقين: ​نجيب ميقاتي​، ​فؤاد السنيورة​، ​تمام سلام​، وقالت إن رغبتهما في التوجّه مباشرة إلى ​رئيس الجمهورية​ لم تأتِ من فراغ وإنما لشعورهما بأن الوضع لم يعد يطاق وبات من الضروري أن يبادر عون إلى التدخّل، لوضع حد للممارسات المستفزّة التي تنال من العهد"، مضيفة: "مع أن الجانبين لا يزالان يشدّدان على تمسّكهما بالتسوية السياسية التي كانت وراء انتخاب عون رئيساً للجمهورية، فإن هذه التسوية باتت أكثر من مأزومة وهي في حاجة إلى من ينقذها، في إشارة إلى ضرورة تدخّل الرئيس عون قبل فوات الأوان. كما أن تركيز رؤساء الحكومات السابقين على المحاولات الحالية للعودة بالبلد إلى ما كان عليه قبل ​اتفاق الطائف​، إضافة إلى النيل من صلاحيات رئيس الحكومة، يأتي في سياق إعلام الآخرين أن من يراهن على التعامل مع الطائفة السنّية على أنها الحلقة الأضعف في المعادلة السياسية، سيكتشف أن رهانه ليس في محله، وأن البلد لا يستقيم بتعويم ثنائية سياسية طائفية من هنا أو هناك".

ورأت أن "هناك ضرورة لإعادة الاعتبار للتسوية الرئاسية في ضوء الاهتزاز العميق الذي أصاب العلاقة بين هذين التيارين، ولو أنه لم يبلغ حدود التوتر في العلاقة الشخصية بين الحريري وباسيل، فإنه في المقابل عكس عمق الاحتقانات المزمنة لا سيما في صفوف المستقبل ومؤيديه"، معتبرة أن "تنفيس الاحتقان يتطلب أولاً ​ترسيم الحدود​ لطبيعة العلاقة بين الحريري وعون وإلزام باسيل بمفاعيلها، ما يعني عدم إطلاق يده في كل شاردة وواردة، وبالتالي من غير الجائز تقديمه، وكأنه يحق له استخدام الفيتوساعة يشاء بما يخدم طموحاته الرئاسية. وبكلام آخر، تؤكد هذه المصادر أنه من غير الجائز التعامل مع الحريري على أن ما يهمّه هو البقاء على رأس الحكومة، وتقول إن رئيس الجمهورية في حاجة إليه إلا إذا كان هناك من ينصح بالاستغناء عنه".

وأشارت المصادر الى أن "عهد الرئيس القوي يمر حالياً في مرحلة من الاستنزاف، وأن التركيز تارة على محاربة الفساد وتارة أخرى على تحقيق الإصلاحات الإدارية لم يعد يفي بالغرض المطلوب، خصوصاً أن الحديث عن الإنجازات التي تحققت لم يكن له تأثير على معالجة الأزمة الاقتصادية أو على خفض منسوب التوتر السياسي. وتعتقد أن تنفيس الاحتقان يبدأ بضبط أداء باسيل، وإلا ماذا يقول الرئيس عون للبنانيين مع اقتراب ​السنة​ الثالثة من انتخابه رئيساً، خصوصاً أنه كان يراهن على تحقيق نقلة نوعية مع قيام حكومة العهد الأولى، أي هذه الحكومة التي مضى على ولادتها أكثر من عام من دون أن يُسمح لها بالانتقال إلى مرحلة العطاء التي من مؤشراتها وضع البلد وبسرعة على سكة الإفادة من ​مؤتمر سيدر​ الذي خصّص لمساعدته للنهوض من أزماته الاقتصادية والاجتماعية".