لم يكن "​حزب الله​" يُعير تصنيف الولايات المُتحدة الأميركيّة له كمُظّمة إرهابيّة أي إهتمام، باعتبار أنّ ​أميركا​ هي الحليفة الرئيسة ل​إسرائيل​ والداعمة الأساسيّة لها، وكلاهما في خندق واحد بالنسبة إليه. لكنّ المنحى الأوروبي الآخذ بالتشدّد تدريجيًا تجاهه، لجهة وقف الفصل السابق بين الجناحين السياسي والعسكري العائدين إلى "حزب الله"، هو محطّ مُتابعة من "الحزب"، لأنّ من شأن حُصوله تغيير الكثير من المُعادلات. فما هي المعلومات في هذا الشأن؟.

بداية لا بُدّ من التذكير أنّ ​بريطانيا​ كانت في طليعة الدُول الأوروبيّة التي ضيّقت على أنشطة "حزب الله"، حيث أنّها حظّرت "وحدة الأمن الخارجي" التابعة للحزب في العام 2001، ثمّ حظّرت "الجناح العسكري" له في العام 2008. وفي نهاية شباط الماضي، قرّرت بريطانيا حظر أنشطة "حزب الله" بشكل كُلّي، وعدم الإستمرار في التمييز بين "جناحه السياسي" و"جناحه العسكري"، بحجّة أنّه "يُواصل محاولاته لزعزعة الإستقرار الهشّ في ​الشرق الأوسط​" بحسب تعبير وزير الداخليّة البريطاني ساجد جاويد الذي أضاف: "لم يعد بإمكاننا التمييز بين جناحه العسكري المحظور وجناحه السياسي". ومن الضروري الإشارة إلى أنّ هذا التصنيف يعني أنّ أي شخص يُعتقل في بريطانيا، بتهمة الإنتماء إلى "حزب الله" أو بالعمل لصالحه أو حتى بالترويج لأفكاره وعقائده، يُعرّض نفسه لعُقوبة قد تصل إلى 10 سنوات.

وبعد أن لحقت لندن بواشنطن بالنسبة إلى أسلوب التعامل المُتشدّد مع الحزب، بدأت هذه الظاهرة بالتوسّع أوروبيًا، علمًا أنّ الدول الأوروبيّة كانت حتى الأمس القريب تتعامل بشكل شبه طبيعي مع "الجناح السياسي" للحزب، باعتبار أنّه يُمثّل حالة سياسية وشعبيّة قائمة، لها تمثيلها في مجلسي الوزراء والنواب في لبنان، وتُدير مؤسّسات إجتماعيّة وتربوية وخدماتيّة مُختلفة. لكنّ المُلاحظ أنّه خلال الأسابيع والأيّام القليلة الماضية إرتفعت المُطالبات من بعض الأحزاب الأوروبيّة اليمينيّة المُتشدّدة وذات التوجّهات القوميّة والمُعادية للمُهاجرين، بضرورة منع أنشطة كل المُنظّمات المُصنّفة إرهابيّة، في ​أوروبا​. وفي هذا السياق، قدّم حزب "البديل من أجل ​ألمانيا​" الذي حقّق نتائج مُتقدّمة في الإنتخابات الأخيرة(1) مشروع قانون ينصّ على حظر أنشطة "حزب الله" في ألمانيا، مُستندًا إلى تقارير تتحدّث عن إنتماء أكثر من ألف شخص من الجالية اللبنانيّة في ألمانيا إلى "الحزب"، وقيامهم بأنشطة محظورة، لا سيّما لجهة تمويل العمليّات الإرهابيّة والتسويق لمُعادات الساميّة، مُستفيدين من حملهم الجنسيّة الألمانيّة.

وبغضّ النظر عن نتائج المناقشات في البرلمان الألماني، فإنّ هذا التطوّر النوعي سيفتنح الباب أمام خُطوات مُماثلة يُتوقّع أن تتمّ في بعض الدول الأوروبيّة حيث نجحت الأحزاب اليمينيّة المُتشدّدة في تحقيق نتائج مُتقدّمة وتصاعديّة خلال الإنتخابات الأخيرة. ويُمكن القول إنّ موجة شعبيّة واسعة وتصاعديّة باتت في حضن الأحزاب اليمينيّة والقوميّة في أوروبا، وذلك رفضًا لسياسات إستقبال المُهاجرين ودمجهم بالمُجتمعات الأوروبيّة، وتأييدًا لمنح المزيد من السُلطات والصلاحيّات للمجالس التشريعيّة ضُمن الدُول الأوروبية تبعًا لخصائص ولعادات ولتقاليد كل منها، وليس لقيادة مُوحّدة في بروكسل. وبحسب المعلومات، إنّ التخوّف الأوروبي يتمثّل بإستغلال أشخاص من أصول لبنانيّة لكنّهم يحملون جنسيّات أوروبيّة مُختلفة، التسهيلات المَمنوحة للأوروبيّين في مُختلف دول ​الإتحاد الأوروبي​، مع إمكان توجّههم بسُهولة إلى مُختلف أنحاء العالم أيضًا، للقيام بعمليّات إستخباريّة، وحتى بعمليّات أمنيّة ضُدّ الإسرائيليّين مثلاً، كما حصل في بلغاريا(2).

في الختام، وإذا كانت الإجراءات المُشدّدة ضُد "حزب الله" كانت تقتصر في السابق على الولايات المتحدة الأميركيّة، ومعها كندا وأستراليا إضافة إلى بريطانيا، فإنّ من شأن مُرور أي مشروع قانون لحظر أنشطة "حزب الله" في أي دولة أوروبيّة غير بريطانيا، تحت وطأة الضغوط الأميركيّة من جهة والضُغوط الشعبيّة الداخليّة من جهة أخرى، أن يفتح الباب واسعًا أمام تقييد حركة "الحزب" في العالم بشكل خطير، لأنّ هذا الحظر سيتحوّل تدريجًا إلى كُرة ثلج سلبيّة ستلتفّ على "حزب الله" أوروبيًا، وستتمدّد في العالم أكثر فأكثر خلال المرحلة المُقبلة.

(1) حلّ في المرتبة الثالثة (10,5 % من الأصوات)، مُباشرة خلف "حزب الخُضر" في المركز الثاني (22 % من الأصوات)، وتحالف "الحزب المسيحي الديمقراطي" و"الحزب المسيحي الإجتماعي البافاري" (28 % من الأصوات).

(2) سقط أكثر من 40 شخصًا بين قتيل وجريح، بينهم العديد من الإسرائيليّين، في هجوم إستهدف باصًا سياحيًا في منطقة بورغاس في بلغاريا، وقد إتهم عدد من اللبنانيّين الذين يحملون جنسيات غربيّة بالتورّط به، لكنّ أيّا من المُتهمين لم يحضر المُحاكمة، بحيث حُوكموا غيابيًا.