يُروى أن مواطنًا أضاع ورقة نقدية من فئة مئة ألف ليرة وراح يفتش عنها تحت أحد أعمدة الإنارة، مرَّ به جاره فسأله: ماذا تفعل؟ أجابه: أفتش عن مئة الف ليرة أضعتها. سأله جاره: وأين أضعتها: هناك قرب موقف السيارات. فسأله جاره مستغربًا: ولماذا تفتش هنا وليس هناك؟ أجابه: لأن هناك عتمة ولا أرى شيئًا، وهنا ضوء وأريد أن أُفتش في ​الضوء​.

***

هذا هو حال حكومتنا، تفتِّش عن أيرادات ​الموازنة​ في الضوء ولكن حيث لا تمويل، وتُهمِل المكان حيث هناك المال، لا لشيء إلا لأن المكان الذي فيه المال هو مكانٌ "في العتمة".

***

عقدت حكومتنا العتيدة عشرين جلسة ل​مجلس الوزراء​ لكن كأنها جلسة واحدة: فمن اليوم الأول بدا ان هناك إستحالة لديها بأن تجرؤ على المسّ بأماكن وجود المال، فذهبت إلى "المال السهل" أي الى الأمكنة التي لا تبذل فيها جهدًا "لسحب المال" وغضَّت النظر عن الأمكنة التي فيها مالٌ وفير لكنها لا تجرؤ على الإقتراب منها.

***

من الاماكن "المُعِتمة" حيث هناك مالٌ وفير، المعابر غير الشرعية. يوم السبت وصل وزير الدفاع إليها، فإذا كانت "​الدولة​" قادرة على الوصول إلى المعابر غير الشرعية، فهذا يعني انها قادرة على إقفالها، فلماذا لا تفعل؟ هل يكفي ان يصل إليها المسؤول ليتصوَّر امامها ويعود إلى ​بيروت​؟ ماذا عن الإجراءات؟

أكثر من ذلك، إذا لم يكن بالإمكان ضبط التهريب عند المعابر غير الشرعية، فلماذا لا تتم مصادرة حمولة ​الشاحنات​ عند وصولها إلى المستودعات قبل توزيعها؟ لماذا لا تُفرَض عليها الرسوم في المستودعات، تحت طائلة مصادرتها؟

هذا واحد من المقترحات "لإيجاد المال في العتمة".

***

مقترحٌ ثانٍ: إذا كان بعض التجار يقدِّمون فواتير مزوَّرة، تكون عادةً مخفَّضة، من أجل ان تأتي الرسوم الجمركية مخفضة، فلماذا لا يتم طلب فواتير بلد المنشأ؟

ليس بالإمكان التلاعب بفواتير بلد المنشأ، لذا فإن احتساب الرسوم الجمركية على أساس هذه الفواتير يُتيح إدخال "مال العتمة" إلى خزينة الدولة.

***

بربكم، ما هو الأجدى؟ أخذ ألف ليرة على "نفس النرجيلة" أو "قطع نفس" التهريب والحصول على مئات ملايين ال​دولار​ات؟

***

مقترحٌ ثالث: لماذا لا يتم استيفاء رسوم عن كل شاحنة تخرج من ​المقالع والكسارات​ والمرامل؟ إن هذه الموارد هي ملك الدولة ولا يجوز ان تكون ارباحها لأصحاب المقالع والكسارات والمرامل الذين حققوا ملايين الدولارات وشوهوا الطبيعة وافسدوا ​البيئة​.

***

وهناك مقترح لا ترقيم له لأنه الأول في كل زمان ومكان، إنه مقترح الاموال المنهوبة: فالمئة مليار دولار دَينًا، فيها الكثير من "الأنفاق المُعَتمة"، لكن ما يضيئها هو قرار على أعلى المستويات بإعطاء الضوء الأخضر للمباشرة به.

بدأنا في الشهر السادس من ​السنة​ الحالية حيث من المفترض ان تنتهي الموازنة في آخر هذا الشهر مع التوافق على بنودها، فكيف بنا الحال مع ​اضراب​ ​القضاء​ الذي يشل ما لا يشله أي قطاع حيوي في البلد حيث أولا مصالح الناس وإستطراداً المحامين لا عمل لهم والقضاة في حالة شلل لأن معظمهم يميّزون بين الاحكام في النور وهم الكثرة، أما "أحكام العتمة"، فيجب فصل السياسة عن القضاء.

***

ختاماً نجرؤ ان نقول ان في بلد مثل وطننا أصبحنا رهائن للسياسيين إذ في حالتنا على سبيل المثال إن العطل الرسمية هي من حق الناس من جميع طوائفهم وليست للمسؤولين الذين يعطلون خارج السلطة التنفيذية مستمتعين برفاهيتهم بدل ان يأخذوا من الهدوء في العطل مناسبة للعمل الدؤوب دون توقف، خصوصاً انهم متأخرون في حساب الوقت الثمين المهدور لإصدار الموازنة التي قد لا تصدر، إلا بعدم بعد نظر.

فما يحق للناس لا يحق لمسؤولين أوصلونا الى مئة مليار دولار ديناً والحبل على الجرار.